الخميس، 4 ديسمبر 2014
الجمعة، 28 نوفمبر 2014
الجمعة، 24 أكتوبر 2014
الأربعاء، 22 أكتوبر 2014
بورما تعرف عليها
1. أراكان دى دولة مسلمة منذ القرن السابع الميلادى ، لكن إحتلتها دولة بورما سنة 1748م .. بورما دولة ذات أغلبية بوذية .
2. من ساعة ما تم إحتلال أركان و سكانها المسلمين بيتعرضوا لأشد أنواع التعذيب و التنكيل من قبل سكان بورما البوذيين .
3. سنة 1942 حصلت مذبحة كبرى ضد مسلمى أراكان استشهد فيها اكثر من مائة ألف مسلم .
4. تعرض مسلمى أراكان للتهجير من أراضيهم بين عامى 1962 و 1991 ، تم تهجير حوالى 1.5 مليون مسلم إلى بنجلاديش .
5. فى الإنتخابات حصلت ولاية أراكان على 46 مقعداً فى البرلمان ، أعطى منها 43 مقعداً للبوذيين و 3 مقاعد للمسلمين .
6. حتى بعد الإنتخابات ، لم تعترف السلطة فى بورما - التى يحكمها الجيش - بعرقية سكان أراكان رغم المطالبات الدولية المستمرة .
7. فى بداية شهر يونيو 2012 ، أعلنت الحكومة البورمية أنها ستمنح بطاقة المواطنة للعرقية الروهنجية المسلمة فى أراكان .
8. غضب البوذيون كثيرا بسبب هذا الإعلان لأنهم يدركون أنه سيؤثر فى حجم إنتشار الإسلام فى المنطقة ، فخططوا لإحداث الفوضى .
9. هاجم البوذيون حافلة تقل عشرة علماء مسلمين كانوا عائدين من أداء العمرة ، شارك فى المذبحة أكثر من 450 بوذى .
10. تم ربط العلماء العشر من أيديهم و أرجلهم و إنهال عليهم الـ 450 بوذى ضربا بالعصى حتى استشهدوا .
11. لكى يجد البوذيون تبريرا ، قالوا إنهم فعلوا ذلك إنتقاما لشرفهم بعد أن قام شاب مسلم بإغتصاب فتاة بوذية و قتلها .
12. كان موقف الحكومة مخزيا للغاية ، فقد قررت القبض على 4 مسلمين بحجة الإشتباه فى تورطهم فى قضية الفتاة ، و تركت الـ 450 قاتل بدون عقاب .
13. يوم الجمعة 3 يونيو 2012 أحاط الجيش بالمساجد تحسبا لخروج مظاهرات بعد الصلاة و منعوا المسلمين من الخروج دفعة واحدة .
14. أثناء خروج المسلمين من الصلاة ألقى البوذيون الحجارة عليهم و إندلعت إشتباكات قوية ، ففرض الجيش حظر التجول .
15. شدد الجيش حظر التجول على المسلمين فيما ترك البوذيون يعيثون فى الأرض فسادا .
16. يتجول البوذيون فى الأحياء المسلمة بالسيوف و العصى و السكاكين و يحرقون المنازل و يقتلون من فيها أمام أعين قوات الأمن .
17. بدأ العديد من مسلمى أراكان فى الهروب ليلا عبر الخليج البنغالى إلى الدول المجاورة ، و يموت الكثير منهم فى عرض البحر .
18. وسط التعتيم الإعلامى الشديد ، هناك أكثر من 10 مليون مسلم فى أركان يتعرضون لعملية إبادة ممنهجة و تُغتصب نساؤهم و يُقتل أطفالهم .
الجمعة، 10 أكتوبر 2014
الخميس، 9 أكتوبر 2014
الأربعاء، 8 أكتوبر 2014
الجمعة، 3 أكتوبر 2014
الخميس، 2 أكتوبر 2014
لقد مر بتونس مرور العابر ولكنه مرور ترك بصماته في الأجيال التي تعاقبت والى يوم الناس هذا، سند متصل وتعلق بالإمام يزداد مع الأيام ذلك أن اسم الإمام الشاذلي يبدأ مجرد اسم لولي إلى جانب عشرات الأسماء التي يسمعها الإنسان ولكن لا يمر يوم دون أن تنكشف جوانب جديدة ثرية عميقة الأغوار محكمة الصلة بالله في شخص أبي الحسن الشاذلي.
لقد كانت حياته سجل بحث دائب عن الحقيقة وسعي صادق إلى الله بدأ رحلته في هذا العالم رحلة الحياة الدنيا حيث ولد في بلاد المغرب وتلقى علوم عصره وتبحر فيها فما أروت ظمأه ولا حققت له ما يرجوه من وصل وقرب فقرر الرحيل في بلاد الله بحثا عن من يأخذ بيديه في طريق السلوك والسير إلى الله وبلغ به المطاف إلى بغداد عاصمة العلم ومجمع الأولياء والعارفين وهنالك ارشد إلى أن الشيخ الذي يروم التتلمذ عليه تركه في بلاد المغرب فقفل راجعا لا يشغله عن الوصول إليه والتلقي عنه شاغل من شهوة نفس أو راحة جسم مستهينا بتباعد المسافات وكثرة المخاطر في الطريق في زمن غير هذا الزمن. وهناك في المغرب التقى بالشيخ العارف بالله سيدي عبد السلام بن مشيش وكأنما كان الرجلان على موعد ومالنا نستبعد أن يكون الأمر كذلك وعالم الأرواح التي هي من أمر الله لا يحده حد ولا يتقيد بزمان ولا مكان، انه جنود مجندة ما تحاب منها ائتلف يقول أبو الحسن الشاذلي (لما قدمت على شيخي وهو ساكن بمغارة في رأس جبل واغتسلت في عين أسفل الجبل وخرجت من عملي وطلعت إليه فقيرا وإذا به هابط إلي ولما وصل قال لي: مرحبا بعلي بن عبد الجبار بن عبد الله وذكر نسبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال لي: يا علي“طلعت إلينا فقيرا من علمك فأخذت عنا علمي الدنيا والآخرة”... وأقمت عنده أياما إلى أن فتح الله على بصيرتي) ولا تتحدث المصادر التاريخية عن مقدار هذه المدة التي قضاها أبو الحسن في صحبة شيخه عبد السلام بن مشيش ولعل ذلك يعود إلى أن المشيخة والتربية عند الصوفية قد لا تحتاج بالنسبة للخاصة من المريدين إلى أكثر من لقاء ونظرة بالبصر والبصيرة يتبع ذلك عهد وموثق يسري به سر الشيخ وبركته إلى المريد فيتصل بذلك السند الذي يحرص عليه كل شيوخ التصوف ويحافظون عليه ويعتزون بامتداده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لقد رأى أبو الحسن في شيخه من البركات والأنوار والصلة الوثقى بالله ما زاده به تعلقا ولأوامره انصياعا، رأى عليه ومنه كرامات اطمأن بها قبله، وإن كان العارفون الواصلون لا يحرصون على ظهورها ولا يشترطونها لإثبات الولاية فالكرامة الحقيقية لديهم إنما تتمثل في الاستقامة وملازمة الكتاب والسنة.
بعد قضاء فترة الملازمة هذه جاء الأمر للإمام الشاذلي من طرف الشيخ ابن مشيش بالرحيل قال له (يا علي ارتحل إلى افريقية (تونس) واسكن بها بلدا تسمى شاذلة (قرب زغوان) فإن الله تعالى يسميك الشاذلي وبعد ذلك إلى مدينة تونس عليك بها من قبل وبعد ذلك تنتقل إلى بلد المشرق وبها تموت وبها ترث الخلافة والقطابة).
وكان الأمر كما ذكر الشيخ ابن مشيش، إنه نور التقوى والإيمان والبصيرة التي لا تحجبها عن نور الله معصية ولا فجور، إنها فراسة المؤمن الصادق الذي يرى بنور الله، المؤمن الذي اتقى الله واخلص في عبادته (واتقوا الله ويعلمكم الله) وهذه الدرجة يصل إليها كل من يسر الله له سبل الوصول وصدقت نيته وخلصت عزيمته في عمل جاد ملا به وقته فأصبح يترقى ويتدرج (لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته صرت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه).
وطلب أبو الحسن وهو يودع شيخه ابن مشيش الوصية فقال له: (يا علي عليك بحفظ الجوارح وأداء الفرائض وما تمت ولاية الله عليك إلا بواجب حق الله عليك وقد تم ورعك وقل اللهم ارحمني من ذكرهم ومن العوارض من قبلهم ونجني من شرهم وأغنني بخيرك من خيرهم وتولني بالخصوصية من بينهم) يا لها من وصية جامعة بدأها ابن مشيش بالتأكيد على حفظ الجوارح بترك المحرمات ذلك أن ترك المحرمات يكفي معه القليل من العمل الصالح وقد ورد في الحديث القدسي قول الله تبارك وتعالى (وما تقرب إلي عبدي بأفضل مما افترضته عليه).
رحل أبو الحسن إلى تونس والتقى بعلمائها وعارفيها وصلحائها ولازم العبادة في زغوان بقرية شاذلة ثم بالمغارة الموجودة بجبل التوبة في مدخل مدينة تونس وتولى التربية والإرشاد فأقبل عليه ينهل من علمه خلق كثيرون من أهل تونس وعلمائها واتسع تأثيره وإشعاعه ليمتد إلى أوساط عديدة مختلفة المستويات والمشارب ومن هؤلاء أصحابه الأربعين وكثير منهم مدفونون بمقبرة الحاضرة “الزلاج” منهم: أبو العزائم ماضي بن سلطان وعبد الملك الزعزاع وأبو حفص عمر السبتي وأبو عبد الله محمد الفاسي وأبو الحسن علي القرجاني وأبو الحسن علي الحطاب وحسن السيجومي والشيخ يوسف البغدادي وغير هؤلاء ممن لا يتسع المجال لذكرهم وكلهم من العلماء والصلحاء الذين أجمعت على ولايتهم وتقواهم الأمة والذين خلفوا الإمام الشاذلي عقب رحيله عن تونس فاحيوا عمله ونشروا طريقته وعمروا مقامه فكانوا خير خلف لخير سلف.
وأثناء إقامة أبي الحسن بتونس وبدافع من الغيرة والحسد أوغر القاضي أبو القاسم محمد بن البراء صدر الأمير (أبو زكرياء) بأن أبا الحسن الشاذلي يدعي الشرف ويدعي أنه الفاطمي وأنه يشوش على الأمير بلاده وقد اجتمع حول أبي الحسن عدد كبير من المريدين كانت هذه التهم الواهية الواضحة البطلان كافية لكي تدفع بالأمير لمقاضاته وكاد الحقد بابن البراء أن يبلغ إلى غايته وهي التخلص من أبي الحسن لولا أن أحد أشقاء الأمير عرف أخاه بالحقيقة وانتهى الأمر بخروج أبي الحسن من تونس إلى بلاد المشرق.
تلك هي المرحلة التونسية من حياة الإمام الشاذلي لم تنل منه الدسائس والمكائد التي رجعت على أصحابها بالوبال فكاد هذا السلطان الذي أوغر صدره على أبي الحسن أن يهلك وأصيب في اهله واعز الناس إليه مما جعله يذهب مسترضيا للإمام الشاذلي وكانت عاقبة ابن البراء أسوأ العواقب جزاء معاداته لأحد أولياء الله ولكن الجانب الذي بقي من المرحلة التونسية من حياة الإمام الشاذلي (وما كان لله دام واتصل) هو هذا التعلق الصادق والإتباع المخلص وذلك الذيوع لطريقته وأحزابه وأدعيته وأوراده وهذا المقام العامر بذكر الله على مر القرون والى اليوم يقصده أهل تونس علماء وعواما ويقصده كل عارف بمقام الشاذلي ممن يمر بتونس أو يشد إليها الرحال فهناك في المقام تحيا المواسم الدينية طيلة أربعة عشر أسبوعا، وعلى امتداد العام أو في المغراة مساء الجمعة وصبيحة السبت من كل أسبوع تتردد على الألسنة بعد كلام الله عز وجل أحزاب الإمام الشاذلي وأوراده وأذكاره تتزكى بها الأنفس وتتطهر بها السرائر وتتحقق بها الإشراقات النورانية.
ولا يزال أهل تونس يحفظون للمقام الشاذلي مكانته الرفيعة ولا يزالون يعمرونه ويتصدقون على الفقراء والمساكين من زواره ولا يزالون يعتقدون فيه البركات في أفرادهم وجموعهم.
ويحفظ الشاذلية عن إمامهم قوله لأحد مريديه وهو سيدي ماضي (يا ماضي ما دامت فيها أورادي (المغارة والمقام) لا تزال تونس في بركة ولا يدخلها داخل بالسوء فروحي تزورها من السبت إلى السبت أنا وسبعة من العراق وأنا ولي الله والمغارة مرداس الصالحين والمقام حلتهم... ويا ماضي المغارة مفتاح تونس ومفتاح السر...)
وعندما رحل أبو الحسن الشاذلي إلى مصر أقام في الإسكندرية فكان مقامه هذه المرة معززا مكرما أصلح به الله بين المتخاصمين وجمع بين يديه وعلى التلقي عليه كبار علماء المسلمين في عصره من أمثال سلطان العلماء الشيخ عز الدين بن عبد السلام والشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد والشيخ عبد العظيم المنذري وابن الصلاح وابن الحاجب وغيرهم من كبار العلماء فقد سلموا جميعا للشيخ أبي الحسن الولاية والصلاح وكان العز بن عبد السلام يعلن بعد سماعه لما يفتح به الله على أبي الحسن (اسمعوا هذا الكلام القريب العهد من الله) يعلن ذلك بكل تجرد وتواضع وهو من هو في علمه وصدقه وإخلاصه لله.
وكان الشيخ أبو الحسن الشاذلي ممن أبلوا البلاء الحسن هو ومن معه من العلماء في تعبئة المسلمين تعبئة روحية وإعدادهم لمواجهة أعداء الدين من الكافرين وكان النصر حليف المسلمين في معركة المنصورة المشهورة والتي نصر الله فيها المسلمين نصرا مؤزرا. وممن كانوا بجانب الشيخ وتلقوا عليه وساروا على نهجه الشيخ أبو العباس المرسي الذي تتلمذ عليه ابن عطاء الله السكندري صاحب الحكم المشهورة والإمام البوصيري صاحب البردة والهمزية وغير هؤلاء كثير.
ظل الشيخ أبو الحسن الشاذلي يقوم برسالته إلى ان قرب الرحيل إلى دار البقاء وفي شهر شوال سنة 656 تهيأ الشيخ للذهاب إلى البقاع المقدسة قصد الحج وفي حميثرا بصحراء عيذاب بمصر التحقت روحه ببارئها وذلك بعد أن جمع مريديه ورفاقه ونصحهم نصيحة مودع وأكد في الوصية بملازمة قراءة حزب البحر وقال لهم “حفظوه لأولادكم فان فيه اسم الله الأعظم” واسم الله الأعظم إذا دعي به أجاب وإذا طلب به أعطى ثم أوصى أن يكون أبو العباس المرسي خليفته من بعده رغم أن لأبي الحسن أبناء إذ لم يشأ أن يجعل طريقته وراثة.
الاثنين، 29 سبتمبر 2014
الخميس، 25 سبتمبر 2014
معلومات عن الجن
تعريف هذا العالم : يختلف عالم الجن اختلافا كليا عن عالم الملائكـة و الانسان،
فكل له مادتـه التي خلـق منها ، وصفاته التي يختلف بها عن الأخر، الا أن عالم
الجن يرتبط مع عالم الانس من حيـث صفـة الادراك وصفة العقل والقدرة علـى
اختيار طريق الخير والشر.
وأبو الجن هو ابليس كما أن أبو الانسان آدم عليـه السلام . أما طبيعـة خلقتهم فقد
أخبرنا الله عز وجل عنهم أنه خلقهم من نار، كما قال تعالـى (والجـان خلقناهـهم
من قبل من نار السموم ) وقوله عز وجل ( وخلق الجان من ما رج من نار) . وقد
فسر أهل العلم من السلف الصالح قوله ( مارج من نار) هـو طرف اللهب ومنهــم
ابن عباس ، وعكرمة ، ومجاهد ، والحسن وغيره ، وقال النـووي " المارج اللهب
المختلط بسواد النار " . أما الانسان فقد خلق من طين كما أخبرنا عـز وجل بقولـه
( قـال مـا منعك ألا تسـجد اذ أمـرتك قـال أنا خيـر منـه خلقتـني مـن نـار
وخلقـته من طين) وفـي قـوله سبحانه (فاستفتهم أهم أشـد خلقـا أم من خلقنا انا
خلقناهم من طين لازب ) وكذلك كما ورد فـي الحديث الذي أخرجـه مسـلم عـن
عائشة ، عن النبي صلي الله عليه وسلم قـال : " خلقـت الملائكة من نـور، وخلـق
الجان من مارج من نار، وخلق أدم مما وصف لكم ". وقد خلـق الجان قبـل الانسان
وسكن الأرض قبله ، بدليـل قـول الله عـز وجل( ولقد خلقنـا الانسان مـن حمـأ
مسنون *والجان خلقناه من قبل من نار السموم * ) .
أنواع الجن و أصنافهم :
وينقسم الجن الى ثلاثة أصناف كما صنفهـم لـنا رسـول الله صلي الله عليه وسلـم
قال : "الجن ثلاثة أصناف ، فصنف يطير فـي الهواء ، وصنـف حيـات وكـلاب،
وصنف يحلون ويضعنون " رواه الطبراني ، والحاكم ، والبيهقـي باسنـاد صحيـح.
وقد أمـرت الجن وكلفت كـما كلف الانسان ، فـهم مأمورون بالتوحيد و الأيمـان
والطاعة والـعبادة ، وعـدم المعصيـة والبـعد عن الظلـم وعدم تعـي حدود الله ،
فمسلمهم مسلم، ومؤمنهم مؤمن، وكافرهم كافـر ، والمطيـع منهـم لله ورسولـه،
يدخل الجنة ومن أبى دخل النار سواء بسواء، مثلهم مثل الانسان والدليـل من قولـه
عزوجل( وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ). اذا هم خلـق من خلـق الله ومـن
ينكرهم فانه يكفر للأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة . وقد وجـد مـن ينكرهـم قديمـا
وحديثا . ولا يضيرنا ذلك منهم . والذي يهمنا أنـهم حقيقة لاشـك فيهـا ولا مريـة
لمـا سيترتب علـى مـا سوف نسرد مـن أخبارهم وأحوالهـم، وربنا وربهم الله .
هل الجن يأكلون ويشربون :
و حيث أن مثل هذه الأمـور الغيبية في أحوال الجن الذين لا نراهم، توجب علينـا
كأمـة مسلمة تؤمن بالغيب، أن نؤمن بكل المغيبات التي وردت في الجن وذلك لمـا
يتصف به المؤمنون من الايمان بالغيب كما قال عز وجل وعلا شأنـه ( آلم * ذلك
الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيـب ويقيمـون الصـلاة وممـا
رزقناهم ينفقون * والذين يؤمنون بما أنزل اليك وما أنـزل من قبلك و بالأخـرة هم
يوقنون * ) . وموضوع الجن أمدنا فيه رسـول الله بالخبر اليقيـن ، فاليـك أخـي
المسلم المؤمن هذه الأدلة الصادقة من عند الذي لا ينطق عن الهوى .
ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة ـ رضـي الله عنه ـ أن النبي صلي الله عليـه
وسلم ـ أمره أن يأتيه بأحجار يستجمر بها ، وقـال له: " ولا تأتيني بعظم ولا بروثة"
ولما سأل أبو هريرة الرسول صلى الله عليه وسلـم، بعد ذلك عن سر نهيه عن العظم
و الروثة ، قال:"هما من طعام الجن ، وانه أتاني وفـد نصيبين ، ونعم الجن ،فسألوني
الزاد ، فدعوت الله لهم : ألا يمروا بعظم و لا روثـة الا وجدوا عليها طعاما" . وفـي
صحيح مسلم عن ابن مسعود عن رسول الله صلـى الله عليه و سلم أنه قـال " أتاني
داعي الجن فذهبت معه ، فقرأت عليهـم القرآن ، قـال : فانطلق بنا فأرانا آثارهـم
وآثار نيرانهم ، فسألوه الزاد فقال : " لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكـم
لحما، و كل بعرة علف لدوابكم" فقال النبي صلى الله عليه و سلم :" فلا تستنجوا بهما
فانهما زاد اخوانكم " . و في سنن الترمذي باسناد صحيح : " لا تستنجـوا بالـروث ،
ولا بالعظام ، فانه زاد اخوانكم من الجن" و قد أخبرنا الرسول صلى الله عليه و سلم ،
أن الشيطان يأكل بشماله و أمرنا بمخالفته في ذلك . وقد روى مسلم في صحيحه عن
ابن عمر رضي الله عنهما أن النبـي صلى الله عليه و سلم قال:" اذا أكل أحدكم فليأكل
بيمينه، و اذا شرب فليشرب بيمينه، فـان الشيطان يأكل بشماله ويشـرب بشمالـه".
و في مسند الامام أحمد " من أكل بشماله أكل معه الشيطان، و من شرب بشماله شرب
معه الشيطان" . وكما أن الأنسان المسلم منهي عن أكل اللحم الذي لم يسمى عليه أسـم
الله ، فان الجن المسلم أيضا منهي عن أن يأكل لحم الميتتة لانه لـم يذكـر اسـم الله
عليهـا. لذا فقد ترك اللحم الذي لم يذكر اسم الله عليه يأكلـه المشركـون ، و الذيـن
يذبحون لغير الله و الشيطان على شاكلتهم. لذا نستنتج أن الميتتة أكل الشيطان. و قـد
استنبط ابن القيم رحمه الله من قوله تعالى( انما الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام
رجس مـن عمـل الشيطان) أن المسكر من شراب الشيطان، فهو يشرب من الشراب
الـذي عمله أولياؤه بأمره ، وشاركهم في عمله ، فيشاركهم في شربـه ، و اثمـه و
عقوبته.
أيـن يعيـش الجـن وأيـن يسكـن :
كما أسلفنا فان الجن هي أمة من الأمم ، وطالما أن الله عز وجل هو خالقهم فانه عـز
وجل لم يخلق عباده عبثا، ولم يتركهم هملا، تماما ككل المخلوقات في السماء أو فـي
الأرض أو في جوف البحر، فان لكل نظامه وحياته، فالسمك يعيـش في المـاء ولـو
أخرج منه لمات، و الانسان والطير وكثير من الحيوان الذي يعيـش فـوق الأرض لو
أدخل في البحر لماتوا جميعا، لأن الخالق سبحانه جعل لكل نظام وغذاء و حياة تختلف
عن الأخر. والجن لهم حياتهم ومعاشهم و أكلهم وشربهم ،ولهم أماكن يسكنـون فيها أو
مختصة بهم، وقد يشاركوننا في بعض الأماكن . فهم يسكنون في الأحراش والخرابات
وبيوت الخلاء ، وفي مواضع النجاسات والمقابر. وكما يقول شيخ الاسلام ابن تيمية ،
(يأوي الى كثير من هذه الأماكن التي هـي مأوى الشياطين، الشيوخ الذين تقترن بهم
الشياطين، ويتواجدون في أماكن اللهو وفي الأسواق حيث يكثر تواجدهم لاضلال الناس
وافسادهم،و قد أوصى الرسول صلي الله عليه وسلم أحد أصحابه قائلا :"لا تكونن ان
استطعت أول من تدخل السوق ، ولا آخر من يخرج منها ، فأنها معركة الشيطـان ،
وبها ينصب رايته " رواه مسلم في صحيحه ).
فالجن أيضا تعيش في منازلنا ومعنا ولكن لا نراهم، وقد يأكلون معنا ويشربون معنـا
من حيث لا نراهم لاستتارهم عنا، لقوله عز وجل ( انه يراكم هـو و قبيله من حيـث
لا ترونهم) . الا انه قد يتشكل في بعض الأحيان، وهذا ما سنتطرق اليه في حينه فـي
قصته مـع أبي هريرة رضي الله تعالي عنه، وكي لا يشكل هذا الأمر علـى البعض
فأحيانا نذكر الجن و أحيانا أخرى نذكر الشيطان فما هي العلاقة بينهما ؟
هـل الشيطـان أصلـه مـن الجـن :
كما تقدم فقد ذكرنا أن الشيطان أبو الجن كما أن آدم أبو الانس ، والظاهر مـن سياق
القرآن أن الشيطان من الجن كما في قول الله عز وجل( و اذ قلنا للملائكـة اسجـدوا
لآدم فسجدوا الآ ابليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أ فتتخذونه وذريته أولياء من
دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا ) . فهذا دليـل واضح جلـي بـأن الشيطـان
أو ابليـس كان من الجن ، ففسقه وعدم تنفيـذ أوامر الله وغروره، كـان سببـا فـي
أبلسة الله له، كما أن شيطنتـه أبعدته مـن رحمة الله، فأختلف الناس في ذلك فمنهم
من قال بهذا ومنهم مـن قال بغيره . وذكر شيخ الاسلام ابن
تيمية ، في مجمـوع
الفتـاوى ج/4 235ص346 (انه يذهب بالقول بأن الشيطان أصل الجن كما أن آدم
أبو الانس) .
تشكـل الجـن أو الشيطـان :
ان من رحمة الله سبحانه و تعالى بخلقه من الانس ، أن جعل الشيطان و حزبه مـن
المردة و العفاريت و غيرهم فيما يدخل في مضمون الجن ،غير مرئيين لهـم، لأنـه
سبحانه و تعالى يعلم بأن أشكالهم قبيحة ، و قد تكون أعيـن البشـر و عقولهــم لا
تستوعب البشاعة التي خلق عليها الشياطين . و قد ذكر الله لنا ذلك في محكم التنـزيل
واصفا قبح الشيطان بأن شبه لنا شجرة الزقوم التي تنبت من أصـل الجحيـم برؤوس
الشياطين لما علم من قبح صورهم و أشكالهم ، فقال عز و جل( انهـا شجرة تخـرج
في أصل الجحيم* طلعها كأنه رؤوس الشياطين *) .و قد ذكر لنا النبي صلى الله عليه
و سلم " أن للشيطان قرون و أن الشمس تخرج بين قرني شيطان " و فـي البخـاري
و مسلم قوله صلى الله عليه و سلم "اذا طلع حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى تغيب ،
و لا تحينوا بصلاتكم طلوع الشمس و لاغروبها، فانها تطلع بين قرني شيطان ". ومن
هذا كله يتبين لنا أن منظر الشيطان أو الجن أو ابليس بشع لنا كبشر للنظر اليـه، و لا
يستطيع انسان كائن من كان من دون الرسل و الانبياء ، أن يرى الشيطان على حقيقة
خلقته التي خلقه الله عليها كما يدعي البعض من الناس الجهلة و ذلك لقوله عز وجل
(انه يراكم هو و قبيله من حيث لا ترونهم ) .أما الانبياء و الرسل فالله يريهم ما يريد
و ما يشاء . و لكن الشيطان أو الجن يستطيع أن يتحول من خاصيته التي خلقـه الله
عليها الى خاصية أخرى كأن يكون في صورة كلب أو حية أو عقـرب أو صـورة
انسان أو ما الى ذلك . كما حدث في عهد النبـي صلـى الله عليـه وسلـم، اذ رأى
الشيطان في أكثر من موضع و بصور لاشخاص معروفين و اشخاص غير معروفين
و قد حدث ان كان رسول الله صلى الله عليـه و سلـم يحـدث أصحـابه فيدخـل
عليهم رجل غريب ، نتن الريحة ، قبيح المنظر، مقطـع الثيـاب فيخبرهـم النبـي
صلى الله عليه و سلم انه الشيطان جاء يشككهم في أمر دينهم . و اليك أخي القارىء
هذه القصة الطريفة التي جرت مع ابي هريرة رضي الله عنه و رواها البخاري ، قال
أبو هريرة رضي الله عنه : وكلني رسول الله بحفظ زكاة رمضان ، فأتاني آت فجعل
يحث من الطعام ، فأخذته ، و قلت : و الله لأرفعنك الى رسول الله صلى الله عليه و
سلم ، قال: أني محتاج، و علي عيال ، و لي حاجة شديـدة، قـال: فخليـت عنـه ،
فأصبحت فقال النبي صلى الله عليه و سلم" يا أبا هريرة ، ما فعل أسيرك البارحة ؟"
قال: قلت: يا رسول الله شكـا حاجـة شديدة و عيـالا ، فرحمته، فخلـيت سبيلـه،
قال " اما انه كذبك و سيعود "، فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلـى الله عليـه
وسلم انه سيعود ، فرصدته ، فجاء يحثو مـن الطعـام فأخذته ، فقلـت :لأرفعنـك
الى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، قال: دعني فاني محتـاج ،و علـي عيـال ،
لا اعود ، فرحمته ، فخليت سبيله، فأصبحت ، فقال رسـول الله صلى الله عليـه و
سلم :" يا أبا هريرة ، ما فعل أسيرك؟" قلت : يا رسول الله شكا حاجة شديدة و عيالا
فرحمته . فخليت سبيله قال:" اما انه كذبـك و سيعود" ، فرصدته الثالثـة ، فجـاء
يحثو من الطعام ، فأخذته فقلت : لأرفعنك الى رسـول الله صلى الله عليه و سلـم ،
وهذا آخر ثلاث مرات أنك تزعم لا تعود ، ثم تعـود ! قال: دعنـي أعلمـك كلمات
ينفعك الله بها ، قلت ما هـو؟ قـال: اذا أويـت الى فراشـك فاقـرأ آيـة الكرسـي
(الله لا اله الا هو الحي القيوم) حتـى تختم الآية ، فانك لن يزال عليك من الله حافظ ،
و لا يقربك شيطان حتى تصبـح ، فخليـت سبيله، فأصبحت ، فقال لي رسـول الله
صلى الله عليه و سلم:" ما فعل أسيرك البارحة ؟" قلت : يا رسول الله زعم أنه يعلمني
كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله ، قال:" ما هي ؟ " قلت: قال لي : اذا أويـت الى
فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم ( الله لا اله الا هـو الحـي القيـوم )،
و قال لي : لن يزال عليك من الله حافظ ، و لا يقربك شيطان حتى تصبح، و كانـوا
أحرص شيئا على الخير ، قال النبي:" أما انه صدقك و هو كذوب ، تعلم من تخاطب
منذ ثلاث ليالي يا ابا هريرة ؟ " قال: لا ، قال: " ذاك شيطان " .
هـل حقـا دخـول الجـن في جسـد الانسـان :
بدأت العداوة بين الشيطان والانسان منـذ اللحظة التي خلق الله سبحانه وتعالى آدم عليه
السلام، بل من قبل ذلك عندما كان آدم عبارة عن جسد، وقبل أن تنفـخ فيه الـروح،
فقد كان جثة هامدة من طين أتى اليه الشيطان فرآه أجوفا ، فكان يدخـل مـن فمـه
ويخرج من دبره ويدخل من أنفه ويخرج من أذنه وهو أجوف. و الشيء اذا كان أجوفا
فانه يكون غير متماسكا لذا كـان يقول لـه: ان لك لشأنا ولئن أمرت بك لأعصين ،
ولئن سلطت عليك لأهلكنك. وقد ورد في صحيح مسلـم عن أنس أن رسول الله عليه
وسلم قال:" لما صور الله آدم في الجنة، تركه ما شاء الله أن يتركـه ، فجـعل ابليس
يطيف به ،ينظر مـا هو ،فلما رآه أجوف عرف أنه خلق لا يتماسك " . وعندمـا نفخ
الله الروح في آدم وأسجد الملائكة له ، أبي واستكبر وفضل نفسـه علـى آدم وهـو
الذي كان من أعبدهم لله ، فغرته نفسه فكيف يسجد لهذا الذي خلق من طيـن فتعالـى
على الله ولم ينفذ الأمر الذي صدر من الله له وللملائكة ، فاستجابت الملائكة وعاند هو
ورفض ذلك و استحق أن يطرد من رحمة الله وأن يخرجه الله من الجنة لأنها لا يكون
فيها متكبر متعال مـن خلق الله .فاذا علمنا هذا، علينا أن نعلم أن الأمر لم يتوقف عند
هذا الحد ،فحسب بل تعداه الى ما هو أبعد مـن ذلك،وهو توعده لآدم وذريته بالاغواء
والاضلال و الاحتناك ، وانه سوف يأمرهم بتغيير خلق الله ، وقد أمهله الله عز وجل
الي يوم البعث . ولله حكمة بالغة فـي ذلك ، و الا فان الله قادر على أن يهلكـه فـي
تلك اللحظة .لذا ذكر لنا الله سبحانه هذا التفصيل في قوله عز وجل( قـال أرأيتك هذا
الذي كرمـت عـلي لان أخرتن الـى يوم القيامة لأحتنكن ذريته الا قليـلا) . وفـي
قوله( و لأضلنهـم و لأمنينهم ولأمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولأمرنهم فليغيرن خلق الله
ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا ) . والآيات في هذا كثيرة
جدا، فالعداوة حاصلة وستستمر ببقاء الدنيا لأن الشيطان يعتقد أن سبـب خروجه من
الجنة وطرده من رحمة الله انما كانت بسبب آدم وليس باستكباره واستعلاءه . فلذلـك
سوف يستمر بالانتقام من ذرية آدم بعد أن كان هو سببا في خروج أبينا من الجنـة.
ولـو نظرنا نظرة متأمل لوجدنا أن الله ابتلى آدم بالشيطان وابتلى الشيطان بآدم حتى
تملأ الجنـة بعبـاد الله المتقين وتملأ النار بالكفرة والمشركين والمنافقين والعاصين .
فلله في خلقه شؤون , وله الحكمة البالغـة .
ولذلك نجد أن أول مسة يمس الشيطان فيها الانسان ساعة ولادته وهـذا ثابت بالدليل
ففي البخاري ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ـ :"كـل بني آدم يطعن الشيطان
في جنبيه باصبعه حين يولد غير عيسى ابن مريم ، ذهب يطعن، فطعن في الحجاب".
وفـي البخاري أيضا " ما من بني آدم مولود الا يمسه الشيطان حين يولد ، فيستهـل
ارخا من مس الشيطان، غير مريم وابنها". والسبب في حماية مريم وعيسى أن الله
استجاب دعوة أم مريم( و اني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم) . فهـذا أول
ايذاء للشيطان لأي مولود يولد من ذرية آدم. فكل هذه المقدمة والاستدلالات من الآيات
الواضحات والأحاديث النبوية الثابتات انما تمهيد للموضوع الرئيس في هذا الباب وهو
تلبس الشيطان في جسد الانسان وهو ما يسمى بالصرع. وقد تكلم فيـه الكثيرون مـن
العلماء خلفا عن سلف . وقبل الدخول في أقوال أهل العلم والتفصيل فيها نود أن نعرج
الى قائد المعلمين صلى الله عليه وسلم ونري هل حدث شيء من هذا فـي عهده ؟ فهو
قدوة الناس أجمعين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم . فما ثبت في عهده فهـو الحق
المسلم به وما لم يثبت فليس بصحيح .
نعم لقد حصل ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في اكثر من مـرة ودليـل من
حفظ أقوى على من لم يحفظ . ففي سنـن أبى داود ومسند أحمد ( عـن أم أبان بنت
الوازع بن زارع بن عامر العبدى ، عن أبيها ، أن جـدها الزارع انطلـق الى رسول
الله صلى الله عليه وسلم ،فانطلق معه بابن له مجنون ، أو ابن أخت له مجنون ، قال
جدي : فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلت : ان معي ابنا لي أو ابن
أخت مجنون ، أتيتك به تدعو الله له ، قال " أئتني به "، قال: فانطلقت به اليه وهو في
الركاب فأطلقت عنه ، وألقيت عنه ثياب السفر ، وألبسته ثوبين حسنين، و اخذت بيده
حتى انتهيت به الى النبي صلى الله عليه و سلم ، فقال : " أدنوه مني ، اجعـل ظهره
ممـا يليني " قال بمجامع ثوبه من أعلاه و أسفله ، فجعـل يضرب ظهره حتى رأيت
بياض ابطيه، و يقول : " اخرج عدو الله ،اخرج عدو الله" ، فأقبل ينظر نظر الصحيح
ليس بنظره الأول . ثم أقعده رسول الله ، صلى الله عليه و سلم، بين يديه ، فدعا لـه
بماء فمسح وجهـه و دعـا له فلم يكن في الوفد أحد بعد دعوة رسول الله- صلى الله
عليه وسلم – يفضل عليه . و في مسند الأمام احمد أيضا عن يعلى بن مرة قال: رأيت
من رسول الله ، صلى الله عليه و سلم، ثلاث ما رآها أحد قبلي ، و لا يراها أحد بعدى
لقد خرجت معه في سفر حتى اذا كنا ببعض الطريق مررنا بامرأة جالسة معهـا صبي
لها ، فقالت يا رسول الله : هذا الصبي أصابه بلاء و أصابنا منه بلاء يؤخذ في اليوم
لا أدري كـم مرة ، قال : " ناوليني " فرفعته اليه ، فجعله بينه و بين واسطة الرحل
ثم فغر، فاه ، فنفث فيه ثلاثا، و قال : " بسم الله ، انا عبد الله ، اخسأ عدو الله " ، ثم
ناولها اياه فقال: " القينا في الرجعة في هذا المكان فأخبرينا مـا فعل"، قال فذهبنا و
رجعنا فوجدناها في ذلك المكان معها ثلاث شياه ، فقال : " ما فعل صبيك ؟ " فقالت:
و الذي بعثك بالحق ما أحسسنا منه شيء حتى الساعة ، فاجتـرر هذه الغنـم ، قال :
" أنزل خذ منها واحدة و رد البقية " .
وبهذا الذي تقدم من حديث المصطفى صلى الله عليه و سلم و كفى بهما حديثين جليين
عظيمين ترد على كل متأول أفاك كاذب لا يؤمن بدخول الجن في داخل جسد الأنسي.
أما ما حدث من سلفنا الصالح و التابعين فهو كثير جدا، و نؤخذ منه مثلا من امام أهل
السنة و الجماعة الأمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه و رحمـه الله.( روي أن الامام
أحمد كان جالسا في مسجده اذ جاءه صاحب له من قبل الخليفة المتوكل ، فقال : ان
في بيت أمير المؤمنين جارية بها صرع ، و قد أرسلني اليك ، لتدعو الله لها بالعافية،
فأعطاه الأمام نعلين من الخشب( أي قبقابين) و قال : اذهـب الى دار أميـر المؤمنين
واجلس عند رأس الجارية و قل للجني : قال لك أحمد : أيما أحب اليك : تخـرج من
هذه الجارية ن او تصفع بهذا النعل سبعين ؟ فذهب الرجل و معه النعل الى الجارية و
جلس عند رأسها ، و قال كما قال له الامام أحمد، فقال المـارد على لسان الجارية :
السمع و الطاعة لأحمد ، لو أمرنا أن نخرج من العراق لخرجنا منه ، انه أطاع الله و
من أطاع الله أطاعه كل شيء . ثم خرج من الجارية فهدأت ، و رزقت أولادا . فلما
مات الامام عاد لها المارد ، فاستدعى لها الأمير صاحبا من أصحاب احمد ، فحضر ،
و معه ذلك النعل ، و قال للمارد : اخرج و الا ضربتك بهذه النعل. فقال المارد : لا
أطيعك و لا أخرج ، أما أحمد بن حنبل فقد أطاع الله فأمرنا بطاعته ).
وقد ذكر شيخ الاسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ، أن صرع الجن للانس قد يكون
عن شهوة وهوى وعشق كما يتفق للانس مع الانس . وهذا تلميذ شيـخ الاسـلام ابن
القيم في كتابه القيم " الطب النبوي " يذكر لنا حديث ويفصل فـي موضـوع الصرع
وتلبس الجن، فيقول: ( أخرجا في الصحيحين ،من حديث عطاء بن أبي رباح ، قال :
قال ابن عباس : " ألا أريك امرأة من أهل الجنة ؟ قلت بلى. قال:هذه المرأة السوداء،
أتت النبي صلي الله عليه وسلم ، فقالت : اني أصرع ، وانى أتكشف ، فـادع الله لى.
فقال : ان شئت صبرت ولك الجنة ، وان شئت دعوت الله لك أن يعافيك ، فقالـت :
أصبر . قالت : فانى أتكشف ، فادع الله أن لا أتكشف . فدعا لها" ).
هذا ما كان من المرأة السوداء ، قال ابن القيم ( الصـرع صرعـان : صرع مـن
الأرواح الخبيثة الأرضية ، وصرع من الأخلاط الرديئة . والثاني هو الذي يتكلم فيـه
الأطباء في سببه وعلاجه .
وأما صرع الأرواح: فأئمتهم وعقلائهم يعترفون به ، ولا يدفعونه . ويعترفون : بأن
علاجه مقابلة الأرواح الشريفة الخيرة العلوية ، لتلك الأرواح الشريرة الخبيثة ، فتدفع
آثارها، وتعارض أفعالها وتبطلها . وقد نص على ذلك أبقراط في بعض كتبه ، فذكر
بعض علاج الصرع ، وقال :هذا انما ينتفع في الصرع الذي سببه الأخلاط والمـادة
وأما الصرع الذي يكون من الأرواح ، فلا ينفع فيه هذا العلاج . أمـا جهلة الأطباء
و سقطهم و سفلتهم ، ومن يعتقد بالزندقة فضيلة، فأولئك ينكرون صـرع الأرواح ولا
يقرون بأنها تؤثر في بدن المصروع . وليس معهم الا الجهل ). ونكتفي الي هنا بمـا
ذكر ابن القيم ومن أراد الرجوع الى الموضوع مفصلا فهو في الطب النبوي،ص 51
أما الواقع الذي نعيشه وعاشه غيرنا من المعالجين لهو اكبر وأكثر من أن يحصى عددا
وكما، ولكن ليس كل الحالات التي يعالجها المعالجون هي تلبس وجن. فما نسمعه هذه
الأيام من لغط حول ارجاع كل مرض الى الجن و المس و السحر و العين فما هو الا
سفه وقلة علم وجهل مركب. فكثـير من هذه الحالات تعود الى مشاكـل وأمراض قد
تكـون عقلية وقـد تكـون عضويـة وقد تكون نفسيـة سببهـا مشاكـل اجتماعيـة
والهروب من مواجهتها، فيلجأ الى المعالجين ظنا من هؤلاء أن الأمر قد يكون عينا أو
سحـرا أو تلبسـا بالجن. ونسـأل الله العافيـة من كل سوء لنا و لاخواننا المسلمين
والمسلمات . آمين
تعريف هذا العالم : يختلف عالم الجن اختلافا كليا عن عالم الملائكـة و الانسان،
فكل له مادتـه التي خلـق منها ، وصفاته التي يختلف بها عن الأخر، الا أن عالم
الجن يرتبط مع عالم الانس من حيـث صفـة الادراك وصفة العقل والقدرة علـى
اختيار طريق الخير والشر.
وأبو الجن هو ابليس كما أن أبو الانسان آدم عليـه السلام . أما طبيعـة خلقتهم فقد
أخبرنا الله عز وجل عنهم أنه خلقهم من نار، كما قال تعالـى (والجـان خلقناهـهم
من قبل من نار السموم ) وقوله عز وجل ( وخلق الجان من ما رج من نار) . وقد
فسر أهل العلم من السلف الصالح قوله ( مارج من نار) هـو طرف اللهب ومنهــم
ابن عباس ، وعكرمة ، ومجاهد ، والحسن وغيره ، وقال النـووي " المارج اللهب
المختلط بسواد النار " . أما الانسان فقد خلق من طين كما أخبرنا عـز وجل بقولـه
( قـال مـا منعك ألا تسـجد اذ أمـرتك قـال أنا خيـر منـه خلقتـني مـن نـار
وخلقـته من طين) وفـي قـوله سبحانه (فاستفتهم أهم أشـد خلقـا أم من خلقنا انا
خلقناهم من طين لازب ) وكذلك كما ورد فـي الحديث الذي أخرجـه مسـلم عـن
عائشة ، عن النبي صلي الله عليه وسلم قـال : " خلقـت الملائكة من نـور، وخلـق
الجان من مارج من نار، وخلق أدم مما وصف لكم ". وقد خلـق الجان قبـل الانسان
وسكن الأرض قبله ، بدليـل قـول الله عـز وجل( ولقد خلقنـا الانسان مـن حمـأ
مسنون *والجان خلقناه من قبل من نار السموم * ) .
أنواع الجن و أصنافهم :
وينقسم الجن الى ثلاثة أصناف كما صنفهـم لـنا رسـول الله صلي الله عليه وسلـم
قال : "الجن ثلاثة أصناف ، فصنف يطير فـي الهواء ، وصنـف حيـات وكـلاب،
وصنف يحلون ويضعنون " رواه الطبراني ، والحاكم ، والبيهقـي باسنـاد صحيـح.
وقد أمـرت الجن وكلفت كـما كلف الانسان ، فـهم مأمورون بالتوحيد و الأيمـان
والطاعة والـعبادة ، وعـدم المعصيـة والبـعد عن الظلـم وعدم تعـي حدود الله ،
فمسلمهم مسلم، ومؤمنهم مؤمن، وكافرهم كافـر ، والمطيـع منهـم لله ورسولـه،
يدخل الجنة ومن أبى دخل النار سواء بسواء، مثلهم مثل الانسان والدليـل من قولـه
عزوجل( وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ). اذا هم خلـق من خلـق الله ومـن
ينكرهم فانه يكفر للأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة . وقد وجـد مـن ينكرهـم قديمـا
وحديثا . ولا يضيرنا ذلك منهم . والذي يهمنا أنـهم حقيقة لاشـك فيهـا ولا مريـة
لمـا سيترتب علـى مـا سوف نسرد مـن أخبارهم وأحوالهـم، وربنا وربهم الله .
هل الجن يأكلون ويشربون :
و حيث أن مثل هذه الأمـور الغيبية في أحوال الجن الذين لا نراهم، توجب علينـا
كأمـة مسلمة تؤمن بالغيب، أن نؤمن بكل المغيبات التي وردت في الجن وذلك لمـا
يتصف به المؤمنون من الايمان بالغيب كما قال عز وجل وعلا شأنـه ( آلم * ذلك
الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيـب ويقيمـون الصـلاة وممـا
رزقناهم ينفقون * والذين يؤمنون بما أنزل اليك وما أنـزل من قبلك و بالأخـرة هم
يوقنون * ) . وموضوع الجن أمدنا فيه رسـول الله بالخبر اليقيـن ، فاليـك أخـي
المسلم المؤمن هذه الأدلة الصادقة من عند الذي لا ينطق عن الهوى .
ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة ـ رضـي الله عنه ـ أن النبي صلي الله عليـه
وسلم ـ أمره أن يأتيه بأحجار يستجمر بها ، وقـال له: " ولا تأتيني بعظم ولا بروثة"
ولما سأل أبو هريرة الرسول صلى الله عليه وسلـم، بعد ذلك عن سر نهيه عن العظم
و الروثة ، قال:"هما من طعام الجن ، وانه أتاني وفـد نصيبين ، ونعم الجن ،فسألوني
الزاد ، فدعوت الله لهم : ألا يمروا بعظم و لا روثـة الا وجدوا عليها طعاما" . وفـي
صحيح مسلم عن ابن مسعود عن رسول الله صلـى الله عليه و سلم أنه قـال " أتاني
داعي الجن فذهبت معه ، فقرأت عليهـم القرآن ، قـال : فانطلق بنا فأرانا آثارهـم
وآثار نيرانهم ، فسألوه الزاد فقال : " لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكـم
لحما، و كل بعرة علف لدوابكم" فقال النبي صلى الله عليه و سلم :" فلا تستنجوا بهما
فانهما زاد اخوانكم " . و في سنن الترمذي باسناد صحيح : " لا تستنجـوا بالـروث ،
ولا بالعظام ، فانه زاد اخوانكم من الجن" و قد أخبرنا الرسول صلى الله عليه و سلم ،
أن الشيطان يأكل بشماله و أمرنا بمخالفته في ذلك . وقد روى مسلم في صحيحه عن
ابن عمر رضي الله عنهما أن النبـي صلى الله عليه و سلم قال:" اذا أكل أحدكم فليأكل
بيمينه، و اذا شرب فليشرب بيمينه، فـان الشيطان يأكل بشماله ويشـرب بشمالـه".
و في مسند الامام أحمد " من أكل بشماله أكل معه الشيطان، و من شرب بشماله شرب
معه الشيطان" . وكما أن الأنسان المسلم منهي عن أكل اللحم الذي لم يسمى عليه أسـم
الله ، فان الجن المسلم أيضا منهي عن أن يأكل لحم الميتتة لانه لـم يذكـر اسـم الله
عليهـا. لذا فقد ترك اللحم الذي لم يذكر اسم الله عليه يأكلـه المشركـون ، و الذيـن
يذبحون لغير الله و الشيطان على شاكلتهم. لذا نستنتج أن الميتتة أكل الشيطان. و قـد
استنبط ابن القيم رحمه الله من قوله تعالى( انما الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام
رجس مـن عمـل الشيطان) أن المسكر من شراب الشيطان، فهو يشرب من الشراب
الـذي عمله أولياؤه بأمره ، وشاركهم في عمله ، فيشاركهم في شربـه ، و اثمـه و
عقوبته.
أيـن يعيـش الجـن وأيـن يسكـن :
كما أسلفنا فان الجن هي أمة من الأمم ، وطالما أن الله عز وجل هو خالقهم فانه عـز
وجل لم يخلق عباده عبثا، ولم يتركهم هملا، تماما ككل المخلوقات في السماء أو فـي
الأرض أو في جوف البحر، فان لكل نظامه وحياته، فالسمك يعيـش في المـاء ولـو
أخرج منه لمات، و الانسان والطير وكثير من الحيوان الذي يعيـش فـوق الأرض لو
أدخل في البحر لماتوا جميعا، لأن الخالق سبحانه جعل لكل نظام وغذاء و حياة تختلف
عن الأخر. والجن لهم حياتهم ومعاشهم و أكلهم وشربهم ،ولهم أماكن يسكنـون فيها أو
مختصة بهم، وقد يشاركوننا في بعض الأماكن . فهم يسكنون في الأحراش والخرابات
وبيوت الخلاء ، وفي مواضع النجاسات والمقابر. وكما يقول شيخ الاسلام ابن تيمية ،
(يأوي الى كثير من هذه الأماكن التي هـي مأوى الشياطين، الشيوخ الذين تقترن بهم
الشياطين، ويتواجدون في أماكن اللهو وفي الأسواق حيث يكثر تواجدهم لاضلال الناس
وافسادهم،و قد أوصى الرسول صلي الله عليه وسلم أحد أصحابه قائلا :"لا تكونن ان
استطعت أول من تدخل السوق ، ولا آخر من يخرج منها ، فأنها معركة الشيطـان ،
وبها ينصب رايته " رواه مسلم في صحيحه ).
فالجن أيضا تعيش في منازلنا ومعنا ولكن لا نراهم، وقد يأكلون معنا ويشربون معنـا
من حيث لا نراهم لاستتارهم عنا، لقوله عز وجل ( انه يراكم هـو و قبيله من حيـث
لا ترونهم) . الا انه قد يتشكل في بعض الأحيان، وهذا ما سنتطرق اليه في حينه فـي
قصته مـع أبي هريرة رضي الله تعالي عنه، وكي لا يشكل هذا الأمر علـى البعض
فأحيانا نذكر الجن و أحيانا أخرى نذكر الشيطان فما هي العلاقة بينهما ؟
هـل الشيطـان أصلـه مـن الجـن :
كما تقدم فقد ذكرنا أن الشيطان أبو الجن كما أن آدم أبو الانس ، والظاهر مـن سياق
القرآن أن الشيطان من الجن كما في قول الله عز وجل( و اذ قلنا للملائكـة اسجـدوا
لآدم فسجدوا الآ ابليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أ فتتخذونه وذريته أولياء من
دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا ) . فهذا دليـل واضح جلـي بـأن الشيطـان
أو ابليـس كان من الجن ، ففسقه وعدم تنفيـذ أوامر الله وغروره، كـان سببـا فـي
أبلسة الله له، كما أن شيطنتـه أبعدته مـن رحمة الله، فأختلف الناس في ذلك فمنهم
من قال بهذا ومنهم مـن قال بغيره . وذكر شيخ الاسلام ابن تيمية ، في مجمـوع
الفتـاوى ج/4 235ص346 (انه يذهب بالقول بأن الشيطان أصل الجن كما أن آدم
أبو الانس) .
تشكـل الجـن أو الشيطـان :
ان من رحمة الله سبحانه و تعالى بخلقه من الانس ، أن جعل الشيطان و حزبه مـن
المردة و العفاريت و غيرهم فيما يدخل في مضمون الجن ،غير مرئيين لهـم، لأنـه
سبحانه و تعالى يعلم بأن أشكالهم قبيحة ، و قد تكون أعيـن البشـر و عقولهــم لا
تستوعب البشاعة التي خلق عليها الشياطين . و قد ذكر الله لنا ذلك في محكم التنـزيل
واصفا قبح الشيطان بأن شبه لنا شجرة الزقوم التي تنبت من أصـل الجحيـم برؤوس
الشياطين لما علم من قبح صورهم و أشكالهم ، فقال عز و جل( انهـا شجرة تخـرج
في أصل الجحيم* طلعها كأنه رؤوس الشياطين *) .و قد ذكر لنا النبي صلى الله عليه
و سلم " أن للشيطان قرون و أن الشمس تخرج بين قرني شيطان " و فـي البخـاري
و مسلم قوله صلى الله عليه و سلم "اذا طلع حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى تغيب ،
و لا تحينوا بصلاتكم طلوع الشمس و لاغروبها، فانها تطلع بين قرني شيطان ". ومن
هذا كله يتبين لنا أن منظر الشيطان أو الجن أو ابليس بشع لنا كبشر للنظر اليـه، و لا
يستطيع انسان كائن من كان من دون الرسل و الانبياء ، أن يرى الشيطان على حقيقة
خلقته التي خلقه الله عليها كما يدعي البعض من الناس الجهلة و ذلك لقوله عز وجل
(انه يراكم هو و قبيله من حيث لا ترونهم ) .أما الانبياء و الرسل فالله يريهم ما يريد
و ما يشاء . و لكن الشيطان أو الجن يستطيع أن يتحول من خاصيته التي خلقـه الله
عليها الى خاصية أخرى كأن يكون في صورة كلب أو حية أو عقـرب أو صـورة
انسان أو ما الى ذلك . كما حدث في عهد النبـي صلـى الله عليـه وسلـم، اذ رأى
الشيطان في أكثر من موضع و بصور لاشخاص معروفين و اشخاص غير معروفين
و قد حدث ان كان رسول الله صلى الله عليـه و سلـم يحـدث أصحـابه فيدخـل
عليهم رجل غريب ، نتن الريحة ، قبيح المنظر، مقطـع الثيـاب فيخبرهـم النبـي
صلى الله عليه و سلم انه الشيطان جاء يشككهم في أمر دينهم . و اليك أخي القارىء
هذه القصة الطريفة التي جرت مع ابي هريرة رضي الله عنه و رواها البخاري ، قال
أبو هريرة رضي الله عنه : وكلني رسول الله بحفظ زكاة رمضان ، فأتاني آت فجعل
يحث من الطعام ، فأخذته ، و قلت : و الله لأرفعنك الى رسول الله صلى الله عليه و
سلم ، قال: أني محتاج، و علي عيال ، و لي حاجة شديـدة، قـال: فخليـت عنـه ،
فأصبحت فقال النبي صلى الله عليه و سلم" يا أبا هريرة ، ما فعل أسيرك البارحة ؟"
قال: قلت: يا رسول الله شكـا حاجـة شديدة و عيـالا ، فرحمته، فخلـيت سبيلـه،
قال " اما انه كذبك و سيعود "، فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلـى الله عليـه
وسلم انه سيعود ، فرصدته ، فجاء يحثو مـن الطعـام فأخذته ، فقلـت :لأرفعنـك
الى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، قال: دعني فاني محتـاج ،و علـي عيـال ،
لا اعود ، فرحمته ، فخليت سبيله، فأصبحت ، فقال رسـول الله صلى الله عليـه و
سلم :" يا أبا هريرة ، ما فعل أسيرك؟" قلت : يا رسول الله شكا حاجة شديدة و عيالا
فرحمته . فخليت سبيله قال:" اما انه كذبـك و سيعود" ، فرصدته الثالثـة ، فجـاء
يحثو من الطعام ، فأخذته فقلت : لأرفعنك الى رسـول الله صلى الله عليه و سلـم ،
وهذا آخر ثلاث مرات أنك تزعم لا تعود ، ثم تعـود ! قال: دعنـي أعلمـك كلمات
ينفعك الله بها ، قلت ما هـو؟ قـال: اذا أويـت الى فراشـك فاقـرأ آيـة الكرسـي
(الله لا اله الا هو الحي القيوم) حتـى تختم الآية ، فانك لن يزال عليك من الله حافظ ،
و لا يقربك شيطان حتى تصبـح ، فخليـت سبيله، فأصبحت ، فقال لي رسـول الله
صلى الله عليه و سلم:" ما فعل أسيرك البارحة ؟" قلت : يا رسول الله زعم أنه يعلمني
كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله ، قال:" ما هي ؟ " قلت: قال لي : اذا أويـت الى
فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم ( الله لا اله الا هـو الحـي القيـوم )،
و قال لي : لن يزال عليك من الله حافظ ، و لا يقربك شيطان حتى تصبح، و كانـوا
أحرص شيئا على الخير ، قال النبي:" أما انه صدقك و هو كذوب ، تعلم من تخاطب
منذ ثلاث ليالي يا ابا هريرة ؟ " قال: لا ، قال: " ذاك شيطان " .
هـل حقـا دخـول الجـن في جسـد الانسـان :
بدأت العداوة بين الشيطان والانسان منـذ اللحظة التي خلق الله سبحانه وتعالى آدم عليه
السلام، بل من قبل ذلك عندما كان آدم عبارة عن جسد، وقبل أن تنفـخ فيه الـروح،
فقد كان جثة هامدة من طين أتى اليه الشيطان فرآه أجوفا ، فكان يدخـل مـن فمـه
ويخرج من دبره ويدخل من أنفه ويخرج من أذنه وهو أجوف. و الشيء اذا كان أجوفا
فانه يكون غير متماسكا لذا كـان يقول لـه: ان لك لشأنا ولئن أمرت بك لأعصين ،
ولئن سلطت عليك لأهلكنك. وقد ورد في صحيح مسلـم عن أنس أن رسول الله عليه
وسلم قال:" لما صور الله آدم في الجنة، تركه ما شاء الله أن يتركـه ، فجـعل ابليس
يطيف به ،ينظر مـا هو ،فلما رآه أجوف عرف أنه خلق لا يتماسك " . وعندمـا نفخ
الله الروح في آدم وأسجد الملائكة له ، أبي واستكبر وفضل نفسـه علـى آدم وهـو
الذي كان من أعبدهم لله ، فغرته نفسه فكيف يسجد لهذا الذي خلق من طيـن فتعالـى
على الله ولم ينفذ الأمر الذي صدر من الله له وللملائكة ، فاستجابت الملائكة وعاند هو
ورفض ذلك و استحق أن يطرد من رحمة الله وأن يخرجه الله من الجنة لأنها لا يكون
فيها متكبر متعال مـن خلق الله .فاذا علمنا هذا، علينا أن نعلم أن الأمر لم يتوقف عند
هذا الحد ،فحسب بل تعداه الى ما هو أبعد مـن ذلك،وهو توعده لآدم وذريته بالاغواء
والاضلال و الاحتناك ، وانه سوف يأمرهم بتغيير خلق الله ، وقد أمهله الله عز وجل
الي يوم البعث . ولله حكمة بالغة فـي ذلك ، و الا فان الله قادر على أن يهلكـه فـي
تلك اللحظة .لذا ذكر لنا الله سبحانه هذا التفصيل في قوله عز وجل( قـال أرأيتك هذا
الذي كرمـت عـلي لان أخرتن الـى يوم القيامة لأحتنكن ذريته الا قليـلا) . وفـي
قوله( و لأضلنهـم و لأمنينهم ولأمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولأمرنهم فليغيرن خلق الله
ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا ) . والآيات في هذا كثيرة
جدا، فالعداوة حاصلة وستستمر ببقاء الدنيا لأن الشيطان يعتقد أن سبـب خروجه من
الجنة وطرده من رحمة الله انما كانت بسبب آدم وليس باستكباره واستعلاءه . فلذلـك
سوف يستمر بالانتقام من ذرية آدم بعد أن كان هو سببا في خروج أبينا من الجنـة.
ولـو نظرنا نظرة متأمل لوجدنا أن الله ابتلى آدم بالشيطان وابتلى الشيطان بآدم حتى
تملأ الجنـة بعبـاد الله المتقين وتملأ النار بالكفرة والمشركين والمنافقين والعاصين .
فلله في خلقه شؤون , وله الحكمة البالغـة .
ولذلك نجد أن أول مسة يمس الشيطان فيها الانسان ساعة ولادته وهـذا ثابت بالدليل
ففي البخاري ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ـ :"كـل بني آدم يطعن الشيطان
في جنبيه باصبعه حين يولد غير عيسى ابن مريم ، ذهب يطعن، فطعن في الحجاب".
وفـي البخاري أيضا " ما من بني آدم مولود الا يمسه الشيطان حين يولد ، فيستهـل
ارخا من مس الشيطان، غير مريم وابنها". والسبب في حماية مريم وعيسى أن الله
استجاب دعوة أم مريم( و اني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم) . فهـذا أول
ايذاء للشيطان لأي مولود يولد من ذرية آدم. فكل هذه المقدمة والاستدلالات من الآيات
الواضحات والأحاديث النبوية الثابتات انما تمهيد للموضوع الرئيس في هذا الباب وهو
تلبس الشيطان في جسد الانسان وهو ما يسمى بالصرع. وقد تكلم فيـه الكثيرون مـن
العلماء خلفا عن سلف . وقبل الدخول في أقوال أهل العلم والتفصيل فيها نود أن نعرج
الى قائد المعلمين صلى الله عليه وسلم ونري هل حدث شيء من هذا فـي عهده ؟ فهو
قدوة الناس أجمعين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم . فما ثبت في عهده فهـو الحق
المسلم به وما لم يثبت فليس بصحيح .
نعم لقد حصل ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في اكثر من مـرة ودليـل من
حفظ أقوى على من لم يحفظ . ففي سنـن أبى داود ومسند أحمد ( عـن أم أبان بنت
الوازع بن زارع بن عامر العبدى ، عن أبيها ، أن جـدها الزارع انطلـق الى رسول
الله صلى الله عليه وسلم ،فانطلق معه بابن له مجنون ، أو ابن أخت له مجنون ، قال
جدي : فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلت : ان معي ابنا لي أو ابن
أخت مجنون ، أتيتك به تدعو الله له ، قال " أئتني به "، قال: فانطلقت به اليه وهو في
الركاب فأطلقت عنه ، وألقيت عنه ثياب السفر ، وألبسته ثوبين حسنين، و اخذت بيده
حتى انتهيت به الى النبي صلى الله عليه و سلم ، فقال : " أدنوه مني ، اجعـل ظهره
ممـا يليني " قال بمجامع ثوبه من أعلاه و أسفله ، فجعـل يضرب ظهره حتى رأيت
بياض ابطيه، و يقول : " اخرج عدو الله ،اخرج عدو الله" ، فأقبل ينظر نظر الصحيح
ليس بنظره الأول . ثم أقعده رسول الله ، صلى الله عليه و سلم، بين يديه ، فدعا لـه
بماء فمسح وجهـه و دعـا له فلم يكن في الوفد أحد بعد دعوة رسول الله- صلى الله
عليه وسلم – يفضل عليه . و في مسند الأمام احمد أيضا عن يعلى بن مرة قال: رأيت
من رسول الله ، صلى الله عليه و سلم، ثلاث ما رآها أحد قبلي ، و لا يراها أحد بعدى
لقد خرجت معه في سفر حتى اذا كنا ببعض الطريق مررنا بامرأة جالسة معهـا صبي
لها ، فقالت يا رسول الله : هذا الصبي أصابه بلاء و أصابنا منه بلاء يؤخذ في اليوم
لا أدري كـم مرة ، قال : " ناوليني " فرفعته اليه ، فجعله بينه و بين واسطة الرحل
ثم فغر، فاه ، فنفث فيه ثلاثا، و قال : " بسم الله ، انا عبد الله ، اخسأ عدو الله " ، ثم
ناولها اياه فقال: " القينا في الرجعة في هذا المكان فأخبرينا مـا فعل"، قال فذهبنا و
رجعنا فوجدناها في ذلك المكان معها ثلاث شياه ، فقال : " ما فعل صبيك ؟ " فقالت:
و الذي بعثك بالحق ما أحسسنا منه شيء حتى الساعة ، فاجتـرر هذه الغنـم ، قال :
" أنزل خذ منها واحدة و رد البقية " .
وبهذا الذي تقدم من حديث المصطفى صلى الله عليه و سلم و كفى بهما حديثين جليين
عظيمين ترد على كل متأول أفاك كاذب لا يؤمن بدخول الجن في داخل جسد الأنسي.
أما ما حدث من سلفنا الصالح و التابعين فهو كثير جدا، و نؤخذ منه مثلا من امام أهل
السنة و الجماعة الأمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه و رحمـه الله.( روي أن الامام
أحمد كان جالسا في مسجده اذ جاءه صاحب له من قبل الخليفة المتوكل ، فقال : ان
في بيت أمير المؤمنين جارية بها صرع ، و قد أرسلني اليك ، لتدعو الله لها بالعافية،
فأعطاه الأمام نعلين من الخشب( أي قبقابين) و قال : اذهـب الى دار أميـر المؤمنين
واجلس عند رأس الجارية و قل للجني : قال لك أحمد : أيما أحب اليك : تخـرج من
هذه الجارية ن او تصفع بهذا النعل سبعين ؟ فذهب الرجل و معه النعل الى الجارية و
جلس عند رأسها ، و قال كما قال له الامام أحمد، فقال المـارد على لسان الجارية :
السمع و الطاعة لأحمد ، لو أمرنا أن نخرج من العراق لخرجنا منه ، انه أطاع الله و
من أطاع الله أطاعه كل شيء . ثم خرج من الجارية فهدأت ، و رزقت أولادا . فلما
مات الامام عاد لها المارد ، فاستدعى لها الأمير صاحبا من أصحاب احمد ، فحضر ،
و معه ذلك النعل ، و قال للمارد : اخرج و الا ضربتك بهذه النعل. فقال المارد : لا
أطيعك و لا أخرج ، أما أحمد بن حنبل فقد أطاع الله فأمرنا بطاعته ).
وقد ذكر شيخ الاسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ، أن صرع الجن للانس قد يكون
عن شهوة وهوى وعشق كما يتفق للانس مع الانس . وهذا تلميذ شيـخ الاسـلام ابن
القيم في كتابه القيم " الطب النبوي " يذكر لنا حديث ويفصل فـي موضـوع الصرع
وتلبس الجن، فيقول: ( أخرجا في الصحيحين ،من حديث عطاء بن أبي رباح ، قال :
قال ابن عباس : " ألا أريك امرأة من أهل الجنة ؟ قلت بلى. قال:هذه المرأة السوداء،
أتت النبي صلي الله عليه وسلم ، فقالت : اني أصرع ، وانى أتكشف ، فـادع الله لى.
فقال : ان شئت صبرت ولك الجنة ، وان شئت دعوت الله لك أن يعافيك ، فقالـت :
أصبر . قالت : فانى أتكشف ، فادع الله أن لا أتكشف . فدعا لها" ).
هذا ما كان من المرأة السوداء ، قال ابن القيم ( الصـرع صرعـان : صرع مـن
الأرواح الخبيثة الأرضية ، وصرع من الأخلاط الرديئة . والثاني هو الذي يتكلم فيـه
الأطباء في سببه وعلاجه .
وأما صرع الأرواح: فأئمتهم وعقلائهم يعترفون به ، ولا يدفعونه . ويعترفون : بأن
علاجه مقابلة الأرواح الشريفة الخيرة العلوية ، لتلك الأرواح الشريرة الخبيثة ، فتدفع
آثارها، وتعارض أفعالها وتبطلها . وقد نص على ذلك أبقراط في بعض كتبه ، فذكر
بعض علاج الصرع ، وقال :هذا انما ينتفع في الصرع الذي سببه الأخلاط والمـادة
وأما الصرع الذي يكون من الأرواح ، فلا ينفع فيه هذا العلاج . أمـا جهلة الأطباء
و سقطهم و سفلتهم ، ومن يعتقد بالزندقة فضيلة، فأولئك ينكرون صـرع الأرواح ولا
يقرون بأنها تؤثر في بدن المصروع . وليس معهم الا الجهل ). ونكتفي الي هنا بمـا
ذكر ابن القيم ومن أراد الرجوع الى الموضوع مفصلا فهو في الطب النبوي،ص 51
أما الواقع الذي نعيشه وعاشه غيرنا من المعالجين لهو اكبر وأكثر من أن يحصى عددا
وكما، ولكن ليس كل الحالات التي يعالجها المعالجون هي تلبس وجن. فما نسمعه هذه
الأيام من لغط حول ارجاع كل مرض الى الجن و المس و السحر و العين فما هو الا
سفه وقلة علم وجهل مركب. فكثـير من هذه الحالات تعود الى مشاكـل وأمراض قد
تكـون عقلية وقـد تكـون عضويـة وقد تكون نفسيـة سببهـا مشاكـل اجتماعيـة
والهروب من مواجهتها، فيلجأ الى المعالجين ظنا من هؤلاء أن الأمر قد يكون عينا أو
سحـرا أو تلبسـا بالجن. ونسـأل الله العافيـة من كل سوء لنا و لاخواننا المسلمين
والمسلمات . آمين
الثلاثاء، 22 يوليو 2014
يا من حُملت على الأكتاف
يا من حُملت على الأكتاف
ووُدِعت بلحني الشهيد والوداع
أنت من سخت عليه عيوننا بالعبرات
وفطرت قلوبنا من لوعة الفراق
وعدتَ بالوفاء لبلدك ولبيت دعوته بوفاء
صرخة أمك شقت جدار الصمت والأحزان
وغصّة أبيك كسرت النفوس والأرواح
ما ذنب أطفالك على صدر أمهم ينحبون فلا يتركهم البكاء
فتح ثرى الوطن لك مصراعاه بكل اعتزاز
وكنتَ للحرية أجمل قربان
زادت سورية بك عظمة وتقدَّسَ التراب
ارتوى الغدر والخيانة من أطهر الدماء
لكنه مازال ظمآن
أعداد من المشفى بازدياد
وبالورد والأرز تُوَّدع الأجساد
صنعتَ لنا جسراً في الحياة
إلى الحرية والكرامة والإباء
وشيّدتَ مدارس للأبناء
تجبلُ النفوس بالمحبة والإخاء
زدت شعبنا إيمان
بالله وقدرته على نصر العباد
كان الصبر لك الملاذ
تحملّت القهر والتنكيل وأشدّ العذاب
لتحمي أطفالاً وشيوخاً ونساء
استحتِ الكلمات أمام ما قدّمتَه من تضحيات
واختبأت القصائد وراء الدمع حياء
لكنك عريسٌ زُفَّ إلى مثواه الأخير في جنان الله
رفاقك على دربك شدّوا الرحال
وكنت لهم الرمز الشفاف
لمحبة الوطن والإخلاص
عبّقتْ ريح دمك الذكية ذرات الهواء
ونبتت عند قبرك الأقحوان والنرجس والأزهار
اعتزّت بك القلوب وتباهت الشهادة بك افتخار
والموت أمام صبرك انحنى إجلاء
لما منحته من وسام شرف باسمك المغوار
تلك الأحجار المتحجرة لم يتحرك لها رمش عند قتلك ظلم وبهتان
ولن يطيب لنا عيش حتى نأخذ بثأرك وثأر الوطن وأخوانك الأطهار
لك ولمن انهمرت لهم الدموع من عذاب الأشواق
أنت يا من رخصت عليه نفسه لرفض الذل والإرهاب
أناديك بأعلى صوت
رحمك الله
الأحد، 20 يوليو 2014
الثلاثاء، 15 يوليو 2014
وفاة البخارى
وفاة البخاري
توفي البخاري ـ رحمه الله ـ ليلة عيد الفطر سنة ست وخمسين وقد بلغ اثنتين وستين سنة، وروي في قصة وفاته عدة روايات منها:
قال محمد بن أبي حاتم سمعت أبا منصور غالب بن جبريل وهو الذي نزل عليه أبو عبد الله يقول: إنه أقام عندنا أياما فمرض واشتد به المرض، فلما وافى تهيأ للركوب فلبس خفيه وتعمم فلما مشى قدر عشرين خطوة أو نحوها وأنا آخذ بعضده ورجل آخذ معي يقوده إلى الدابة ليركبها فقال رحمه الله أرسلوني فقد ضعفت فدعا بدعوات ثم اضطجع فقضى رحمه الله فسال منه العرق شيء لا يوصف فما سكن منه العرق إلى أن أدرجناه في ثيابه وكان فيما قال لنا وأوصى إلينا أن كفنوني في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة ففعلنا ذلك فلما دفناه فاح من تراب قبره رائحة غالية أطيب من المسك فدام ذلك أياما ثم علت سواري بيض في السماء مستطيلة بحذاء قبره فجعل الناس يختلفون ويتعجبون وأما التراب فإنهم كانوا يرفعون عن القبر حتى ظهر القبر ولم نكن نقدر على حفظ القبر بالحراس وغلبنا على أنفسنا فنصبنا على القبر خشبا مشبكا لم يكن أحد يقدر على الوصول إلى القبر فكانوا يرفعون ما حول القبر من التراب ولم يكونوا يخلصون إلى القبر وأما ريح الطيب فإنه تداوم أياما كثيرة حتى تحدث أهل البلدة وتعجبوا من ذلك وظهر عند مخالفيه أمره بعد وفاته وخرج بعض مخالفيه إلى قبره وأظهروا التوبة والندامة مما كانوا شرعوا فيه من مذموم المذهب قال محمد بن أبي حاتم ولم يعش أبو منصور غالب بن جبريل بعده إلا القليل وأوصى أن يدفن إلى جنبه.
وقال محمد بن محمد بن مكي الجرجاني سمعت عبد الواحد بن آدم الطواويسي يقول رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم ومعه جماعة من أصحابه وهو واقف في موضع فسلمت عليه فرد علي السلام فقلت ما وقوفك يا رسول الله قال أنتظر محمد بن إسماعيل البخاري فلما كان بعد أيام بلغني موته فنظرت فإذا قد مات في الساعة التي رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فيها.
رحم الله الإمام البخاري رحمة واسعة وجزاه الله خيرا عن الإسلام والمسلمين وعن حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم ).
توفي البخاري ـ رحمه الله ـ ليلة عيد الفطر سنة ست وخمسين وقد بلغ اثنتين وستين سنة، وروي في قصة وفاته عدة روايات منها:
قال محمد بن أبي حاتم سمعت أبا منصور غالب بن جبريل وهو الذي نزل عليه أبو عبد الله يقول: إنه أقام عندنا أياما فمرض واشتد به المرض، فلما وافى تهيأ للركوب فلبس خفيه وتعمم فلما مشى قدر عشرين خطوة أو نحوها وأنا آخذ بعضده ورجل آخذ معي يقوده إلى الدابة ليركبها فقال رحمه الله أرسلوني فقد ضعفت فدعا بدعوات ثم اضطجع فقضى رحمه الله فسال منه العرق شيء لا يوصف فما سكن منه العرق إلى أن أدرجناه في ثيابه وكان فيما قال لنا وأوصى إلينا أن كفنوني في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة ففعلنا ذلك فلما دفناه فاح من تراب قبره رائحة غالية أطيب من المسك فدام ذلك أياما ثم علت سواري بيض في السماء مستطيلة بحذاء قبره فجعل الناس يختلفون ويتعجبون وأما التراب فإنهم كانوا يرفعون عن القبر حتى ظهر القبر ولم نكن نقدر على حفظ القبر بالحراس وغلبنا على أنفسنا فنصبنا على القبر خشبا مشبكا لم يكن أحد يقدر على الوصول إلى القبر فكانوا يرفعون ما حول القبر من التراب ولم يكونوا يخلصون إلى القبر وأما ريح الطيب فإنه تداوم أياما كثيرة حتى تحدث أهل البلدة وتعجبوا من ذلك وظهر عند مخالفيه أمره بعد وفاته وخرج بعض مخالفيه إلى قبره وأظهروا التوبة والندامة مما كانوا شرعوا فيه من مذموم المذهب قال محمد بن أبي حاتم ولم يعش أبو منصور غالب بن جبريل بعده إلا القليل وأوصى أن يدفن إلى جنبه.
وقال محمد بن محمد بن مكي الجرجاني سمعت عبد الواحد بن آدم الطواويسي يقول رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم ومعه جماعة من أصحابه وهو واقف في موضع فسلمت عليه فرد علي السلام فقلت ما وقوفك يا رسول الله قال أنتظر محمد بن إسماعيل البخاري فلما كان بعد أيام بلغني موته فنظرت فإذا قد مات في الساعة التي رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فيها.
رحم الله الإمام البخاري رحمة واسعة وجزاه الله خيرا عن الإسلام والمسلمين وعن حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم ).
امير اهل الحديث البخارى
أمير أهل الحديث
الإمام الجليل والمحدث العظيم محمد بن إسماعيل البخاري أمير أهل الحديث وصاحب أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى، يقول البخاري: صنفت الصحيح في ست عشرة سنة وجعلته حجة فيما بيني وبين الله تعالى.
ولم يشهد تاريخ الإسلام مثله في قوة الحفظ ودقة الرواية والصبر على البحث مع قلة الإمكانات، حتى أصبح منارة في الحديث وفاق تلامذته وشيوخه على السواء.
ويقول عنه أحد العلماء: لا أعلم أني رأيت مثله كأنه لم يخلق إلا للحديث.
فمع سيرة البخاري ومواقف من حياته.
نسبه ومولده
هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه البخاري وكلمة بردزبه تعني بلغة بخارى "الزراع"
أسلم جده "المغيرة" على يدي اليمان الجعفي والي بخارى وكان مجوسيا وطلب والده إسماعيل بن إبراهيم العلم والتقى بعدد من كبار العلماء، وروى إسحاق بن أحمد بن خلف أنه سمع البخاري يقول سمع أبي من مالك بن أنس ورأى حماد بن زيد وصافح ابن المبارك بكلتا يديه.
ولد أبو عبد الله في يوم الجمعة الرابع من شوال سنة أربع وتسعين.
ويروى أن محمد بن إسماعيل عمي في صغره فرأت والدته في المنام إبراهيم الخليل عليه السلام فقال لها يا هذه قد رد الله على ابنك بصره لكثرة بكائك أو كثرة دعائك شك البلخي فأصبحت وقد رد الله عليه بصره.
قوة حفظه وذاكرته
ووهب الله للبخاري منذ طفولته قوة في الذكاء والحفظ من خلال ذاكرة قوية تحدى بها أقوى الاختبارات التي تعرض لها في عدة مواقف.
يقول محمد بن أبي حاتم: قلت لأبي عبد الله: كيف كان بدء أمرك قال ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكتاب فقلت كم كان سنك فقال عشر سنين أو أقل ثم خرجت من الكتاب بعد العشر فجعلت أختلف إلى الداخلي وغيره فقال يوما فيما كان يقرأ للناس سفيان عن أبي الزبير عن إبراهيم، فقلت له: إن أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم فانتهرني فقلت له ارجع إلى الأصل، فدخل فنظر فيه ثم خرج فقال لي: كيف هو يا غلام؟ قلت:هو الزبير بن عدي عن إبراهيم.
فأخذ القلم مني وأحكم( أصلح) كتابه وقال: صدقت.
فقيل للبخاري ابن كم كنت حين رددت عليه قال ابن إحدى عشرة سنة.
ولما بلغ البخاري ست عشرة سنة كان قد حفظ كتب ابن المبارك ووكيع.
وقال محمد بن أبي حاتم الوراق سمعت حاشد بن إسماعيل وآخر يقولان كان أبو عبد الله البخاري يختلف معنا إلى مشايخ البصرة وهو غلام فلا يكتب حتى أتى على ذلك أيام فكنا نقول له إنك تختلف معنا ولا تكتب فما تصنع فقال لنا يوما بعد ستة عشر يوما إنكما قد أكثرتما على وألححتما فاعرضا على ما كتبتما فأخرجنا إليه ما كان عندنا فزاد على خمسة عشر ألف حديث فقرأها كلها عن ظهر قلب حتى جعلنا نحكم كتبنا من حفظه ثم قال أترون أني أختلف هدرا وأضيع أيامي فعرفنا أنه لا يتقدمه أحد.
وقال ابن عدي حدثني محمد بن أحمد القومسي سمعت محمد ابن خميرويه سمعت محمد بن إسماعيل يقول أحفظ مائة ألف حديث صحيح وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح
قال وسمعت أبا بكر الكلواذاني يقول ما رأيت مثل محمد بن إسماعيل كان يأخذ الكتاب من العلماء فيطلع عليه اطلاعة فيحفظ عامة أطراف الأحاديث بمرة.
طلبه للحديث
رحل البخاري بين عدة بلدان طلبا للحديث الشريف ولينهل من كبار علماء وشيوخ عصره في بخارى وغيرها.
وروي عن البخاري أنه كان يقول قبل موته: كتبت عن ألف وثمانين رجلا ليس فيهم إلا صاحب حديث كانوا يقولون الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.
ونعود إلى البخاري في رحلته في طلب العلم ونبدأها من مسقط رأسه بخارى فقد سمع بها من الجعفي المسندي ومحمد بن سلام البيكندي وجماعة ليسوا من كبار شيوخه ثم رحل إلى بلخ وسمع هناك من مكبن بن إبراهيم وهو من كبار شيوخه وسمع بمرو من عبدان بن عثمان وعلي بن الحسن بن شقيق وصدقة بن الفضل. وسمع بنيسابور من يحيى بن يحيى وجماعة من العلماء وبالري من إبراهيم بن موسى.
وفي أواخر سنة 210هـ قدم البخاري العراق وتنقل بين مدنها ليسمع من شيوخها وعلمائها. وقال البخاري دخلت بغداد آخر ثمان مرات في كل ذلك أجالس أحمد بن حنبل فقال لي في آخر ما ودعته يا أبا عبد الله تدع العلم والناس وتصير إلى خراسان قال فأنا الآن أذكر قوله.
ثم رحل إلى مكة وسمع هناك من أبي عبد الرحمن المقرئ وخلاد بن يحي وحسان بن حسان البصري وأبي الوليد أحمد بن محمد الأزرقي والحميدي.
وسمع بالمدينة من عبد العزيز الأويسي وأيوب بن سليمان بن بلال وإسماعيل بن أبي أويس.
وأكمل رحلته في العالم الإسلامي آنذاك فذهب إلى مصر ثم ذهب إلى الشام وسمع من أبي اليمان وآدم بن أبي إياس وعلي بن عياش وبشر بن شعيب وقد سمع من أبي المغيرة عبد القدوس وأحمد بن خالد الوهبي ومحمد بن يوسف الفريابي وأبي مسهر وآخرين.
مؤلفات البخاري
عد العلماء كتاب الجامع الصحيح المعروف بـ"صحيح البخاري" أصح كتاب بعد كتاب الله، ويقول عنه علماء الحديث "هو أعلى الكتب الستة سندا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في شيء كثير من الأحاديث وذلك لأن أبا عبد الله أسن الجماعة وأقدمهم لقيا للكبار أخذ عن جماعة يروي الأئمة الخمسة عنهم"
ويقول في قصة تأليفه "الجامع الصحيح ":" كنت عند إسحاق بن راهويه فقال بعض أصحابنا لو جمعتم كتابا مختصرا لسنن النبي فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع هذا الكتاب"
ويقول في بعض الروايات:
ـ أخرجت هذا الكتاب من زهاء ست مائة ألف حديث.
ـ ما وضعت في كتابي الصحيح حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين.
ـ ما أدخلت في هذا الكتاب إلا ما صح وتركت من الصحاح كي لا يطول الكتاب.
ويروي البخاري أنه بدأ التأليف وعمره 18 سنة فيقول:
"في ثمان عشرة جعلت أصنف قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم وذلك أيام عبيد الله بن موسى، وصنفت كتاب التاريخ إذ ذاك عند قبر رسول الله في الليالي المقمرة وقل اسم في التاريخ إلا وله قصة إلا أني كرهت تطويل الكتاب، وكنت أختلف إلى الفقهاء بمرو وأنا صبي فإذا جئت أستحي أن أسلم عليهم فقال لي مؤدب من أهلها كم كتبت اليوم فقلت: اثنين وأردت بذلك حديثين فضحك من حضر المجلس فقال شيخ منهم لا تضحكوا فلعله يضحك منكم يوما"
وقال أبو جعفر محمد بن أبي حاتم قلت لأبي عبد الله تحفظ جميع ما أدخلت في المصنف فقال لا يخفى علي جميع ما فيه، وسمعته يقول صنفت جميع كتبي ثلاث مرات.
دقته واجتهاده
ظل البخاري ستة عشر عاما يجمع الأحاديث الصحاح في دقة متناهية، وعمل دؤوب، وصبر على البحث وتحري الصواب قلما توافرت لباحث قبله أو بعده حتى اليوم، وكان بعد كل هذا لا يدون الحديث إلا بعد أن يغتسل ويصلي ركعتين.
يروي أحد تلامذته أنه بات عنده ذات ليلة فأحصى عليه أنه قام وأسرج يستذكر أشياء يعلقها في ليلة ثمان عشرة مرة.
وقال محمد بن أبي حاتم الوراق كان أبو عبد الله إذا كنت معه في سفر يجمعنا بيت واحد إلا في القيظ أحيانا فكنت أراه يقوم في ليلة واحدة خمس عشرة مرة إلى عشرين مرة في كل ذلك يأخذ القداحة فيوري نارا ويسرج ثم يخرج أحاديث فيعلم عليها.
وروي عن البخاري أنه قال: لم تكن كتابتي للحديث كما كتب هؤلاء كنت إذا كتبت عن رجل سألته عن اسمه وكنيته ونسبته وحمله الحديث إن كان الرجل فهما، فإن لم يكن سألته أن يخرج إلي أصله ونسخته فأما الآخرون لا يبالون ما يكتبون وكيف يكتبون.
وكان العباس الدوري يقول: ما رأيت أحدا يحسن طلب الحديث مثل محمد بن إسماعيل كان لا يدع أصلا ولا فرعا إلا قلعه ثم قال لنا لا تدعوا من كلامه شيئا إلا كتبتموه.
تفوقه على أقرانه في الحديث
ظهر نبوغ البخاري مبكرا فتفوق على أقرانه، وصاروا يتتلمذون على يديه، ويحتفون به في البلدان.
فقد روي أن أهل المعرفة من البصريين يعدون خلفه في طلب الحديث وهو شاب حتى يغلبوه على نفسه ويجلسوه في بعض الطريق فيجتمع عليه ألوف أكثرهم ممن يكتب عنه وكان شابا لم يخرج وجهه.
وروي عن يوسف بن موسى المروروذي يقول كنت بالبصرة في جامعها إذ سمعت مناديا ينادي يا أهل العلم قد قدم محمد بن إسماعيل البخاري فقاموا في طلبه وكنت معهم فرأينا رجلا شابا يصلي خلف الأسطوانة فلما فرغ من الصلاة أحدقوا به وسألوه أن يعقد لهم مجلس الإملاء فأجابهم فلما كان الغد اجتمع قريب من كذا كذ ألف فجلس للإملاء وقال يا أهل البصرة أنا شاب وقد سألتموني أن أحدثكم وسأحدثكم بأحاديث عن أهل بلدكم تستفيدون منها.
وقال أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ سمعت عدة مشايخ يحكون أن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد فسمع به أصحاب الحديث فاجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها وجعلوا متن هذا لإسناد هذا و إسناد هذا لمتن هذا ودفعوا إلى كل واحد عشرة أحاديث ليلقوها على البخاري في المجلس فاجتمع الناس وانتدب أحدهم فسأل البخاري عن حديث من عشرته فقال لا أعرفه وسأله عن آخر فقال لا أعرفه وكذلك حتى فرغ من عشرته فكان الفقهاء يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون الرجل فهم. ومن كان لا يدري قضى على البخاري بالعجز ثم انتدب آخر ففعل كما فعل الأول والبخاري يقول لا أعرفه ثم الثالث وإلى تمام العشرة أنفس وهو لا يزيدهم على لا أعرفه. فلما علم أنهم قد فرغوا التفت إلى الأول منهم فقال أما حديثك الأول فكذا والثاني كذا والثالث كذا إلى العشرة فرد كل متن إلى إسناده وفعل بالآخرين مثل ذلك فأقر له الناس بالحفظ فكان ابن صاعد إذا ذكره يقول الكبش النطاح.
وروي عن أبي الأزهر قال كان بسمرقند أربعمائة ممن يطلبون الحديث فاجتمعوا سبعة أيام وأحبوا مغالطة البخاري فأدخلوا إسناد الشام في إسناد العراق وإسناد اليمن في إسناد الحرمين فما تعلقوا منه بسقطة لا في الإسناد ولا في المتن.
وقال أحيد بن أبي جعفر والي بخارى قال محمد بن إسماعيل يوما رب حديث سمعته بالبصرة كتبته بالشام ورب حديث سمعته بالشام كتبته بمصر فقلت له: يا أبا عبد الله بكماله قال: فسكت.
من كلمات البخاري
[لا أعلم شيئا يحتاج إليه إلا وهو في الكتاب والسنة]
[ما جلست للحديث حتى عرفت الصحيح من السقيم وحتى نظرت في عامة كتب الرأي وحتى دخلت البصرة خمس مرات أو نحوها فما تركت بها حديثا صحيحا إلا كتبته إلا ما لم يظهر لي]
[ما أردت أن أتكلم بكلام فيه ذكر الدنيا إلا بدأت بحمد الله والثناء عليه]
مواقف من حياة البخاري
وقال بكر بن منير سمعت أبا عبد الله البخاري يقول أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحدا قلت صدق رحمه الله ومن نظر في كلامه في الجرح والتعديل علم ورعه في الكلام في الناس وإنصافه فيمن يضعفه فإنه أكثر ما يقول: منكر الحديث، سكتوا عنه، فيه نظر ونحو هذا. وقل أن يقول فلان كذاب أو كان يضع الحديث حتى إنه قال إذا قلت فلان في حديثه نظر فهو متهم واه وهذا معنى قوله لا يحاسبني الله أني اغتبت أحدا وهذا هو والله غاية الورع.
يقول محمد بن أبي حاتم: كان أبو عبد الله يصلي في وقت السحر ثلاث عشرة ركعة وكان لا يوقظني في كل ما يقوم فقلت أراك تحمل على نفسك ولم توقظني قال أنت شاب ولا أحب أن أفسد عليك نومك.
*يروي البخاري فيقول كنت بنيسابور أجلس في الجامع فذهب عمرو بن زرارة وإسحاق بن راهويه إلى يعقوب بن عبد الله والي نيسابور فأخبروه بمكاني فاعتذر إليهم وقال مذهبنا إذا رفع إلينا غريب لم نعرفه حبسناه حتى يظهر لنا أمره فقال له بعضهم: بلغني أنه قال لك لا تحسن تصلي فكيف تجلس فقال لو قيل لي شيء من هذا ما كنت أقوم من ذلك المجلس حتى أروي عشرة آلاف حديث في الصلاة خاصة.
وذات يوم ناظر أبو بكر البخاري في أحاديث سفيان فعرفها كلها ثم أقبل محمد عليه فأغرب عليه مائتي حديث فكان أبو بكر بعد ذلك يقول ذاك الفتى البازل والبازل الجمل المسن إلا أنه يريد هاهنا البصير بالعلم الشجاع.
قال محمد بن أبي حاتم سمعت البخاري يقول دخلت بلخ فسألني أصحاب الحديث أن أملي عليهم لكل من كتبت عنه حديثا فأمليت ألف حديث لألف رجل ممن كتبت عنهم.
قال أبو جعفر سمعت أبا عمر سليم بن مجاهد يقول كنت عند محمد بن سلام البيكتدي فقال لو جئت قبل لرأيت صبيا يحفظ سبعين ألف حديث قال فخرجت في طلبه حتى لحقته قال أنت الذي يقول إني أحفظ سبعين ألف حديث قال نعم وأكثر ولا أجيئك بحديث من الصحابة والتابعين إلا عرفتك مولد أكثرهم ووفاتهم ومساكنهم ولست أروي حديثا من حديث الصحابة أو التابعين إلا ولي من ذلك أصل أحفظه حفظا عن كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال محمد بن يعقوب بن الأخرم: سمعت أصحابنا يقولون لما قدم البخاري نيسابور استقبله أربعة آلاف رجل ركبانا على الخيل سوى من ركب بغلا أو حمارا وسوى الرجالة.
ورعه
· قال محمد بن أبي حاتم ركبنا يوما إلى الرمي، فجعلنا نرمي وأصاب سهم أبي عبد الله البخاري وتد القنطرة الذي على نهر ورادة فانشق الوتد فلما رآه أبو عبد الله نزل عن دابته فأخرج السهم من الوتد وترك الرمي وقال لنا ارجعوا ورجعنا معه إلى المنزل. فقال لي يا أبا جعفر لي إليك حاجة مهمة قالها وهو يتنفس الصعداء، وقال لمن معنا اذهبوا مع أبي جعفر حتى تعينوه على ما سألته فقلت أية حاجة هي. قال لي: تضمن قضاءها؟ قلت نعم على الرأس والعين. قال: ينبغي أن تصير إلى صاحب القنطرة فتقول له إنا قد أخللنا بالوتد فنحب أن تأذن لنا في إقامة بدله أو تأخذ ثمنه وتجعلنا في حل مما كان منا. وكان صاحب القنطرة حميد بن الأخضر الفربري. فقال لي أبلغ أبا عبد الله السلام وقل له أنت في حل مما كان منك وجميع ملكي لك الفداء وإن قلت نفسي أكون قد كذبت، غير أني لم أكن أحب أن تحتشمني في وتد أو في ملكي فأبلغته رسالته فتهلل وجهه واستنار وأظهر سرورا وقرأ في ذلك اليوم على الغرباء نحوا من خمسمائة حديث وتصدق بثلاث مائة درهم.
· وقال بن أبي حاتم ورأيته استلقى على قفاه يوما ونحن بفربر في تصنيفه كتاب التفسير وأتعب نفسه ذلك اليوم في كثرة إخراج الحديث فقلت له إني أراك تقول إني ما أثبت شيئا بغير علم قط منذ عقلت فما الفائدة في الاستلقاء قال أتعبنا أنفسنا اليوم وهذا ثغر من الثغور خشيت أن يحدث حدث من أمر العد فأحببت أن استريح وآخذ أهبة فإن فاجئنا العدو كان بنا حراك.
· وضيفه بعض أصحابه في بستان له وضيفنا معه فلما جلسنا أعجب صاحب البستان بستانه وذلك أنه كان عمل مجالس فيه وأجرى الماء في أنهاره فقال له يا أبا عبد الله كيف ترى فقال هذه الحياة الدنيا.
· وقال أحمد بن حفص: دخلت على أبي الحسن يعني إسماعيل والد أبي عبد الله عند موته فقال لا أعلم من مالي درهما من حرام ولا درهما من شبهة قال أحمد فتصاغرت إلي نفسي عند ذلك ثم قال أبو عبد الله أصدق ما يكون الرجل عند الموت.
وكان الحسين بن محمد السمرقندي يقول كان محمد بن إسماعيل مخصوصا بثلاث خصال مع ما كان فيه من الخصال المحمودة كان قليل الكلام وكان لا يطمع فيما عند الناس وكان لا يشتغل بأمور الناس كل شغله كان في العلم.
عمله بالتجارة
وعمل البخاري بالتجارة فكان مثالا للتاجر الصدوق الذي لا يغش ولا ينقض نيته مهما كانت المغريات.
روي أنه حملت إلى البخاري بضاعة أنفذها إليه ابنه أحمد فاجتمع بعض التجار إليه فطلبوها بربح خمسة آلاف درهم فقال انصرفوا الليلة فجاءه من الغد تجار آخرون فطلبوا منه البضاعة بربح عشرة آلاف فقال إني نويت بيعها للذين أتوا البارحة.
ثناء الأئمة عليه
قال أبو إسحاق السرماري: من أراد أن ينظر إلى فقيه بحقه وصدقه فلينظر إلى محمد بن إسماعيل.
قال أبو جعفر سمعت يحيى بن جعفر يقول لو قدرت أن أزيد في عمر محمد بن إسماعيل من عمري لفعلت فإن موتي يكون موت رجل واحد وموته ذهاب العلم.
وكان نعيم بن حماد يقول: محمد بن إسماعيل فقيه هذه الأمة.
قال مصعب الزهري محمد بن إسماعيل أفقه عندنا وأبصر بالحديث.
وروي عن إسحاق بن راهويه أنه كان يقول اكتبوا عن هذا الشاب يعني البخاري فلو كان في زمن الحسن لاحتاج إليه الناس لمعرفته بالحديث وفقهه.
وكان علي بن حجر يقول أخرجت خراسان ثلاثة أبو زرعة ومحمد بن إسماعيل وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ومحمد عندي أبصرهم وأعلمهم وأفقههم.
وقال محمد بن أبي حاتم سمعت إبراهيم بن خالد المروزي يقول رأيت أبا عمار الحسين بن حريث يثني على أبي عبد الله البخاري ويقول لا أعلم أني رأيت مثله كأنه لم يخلق إلا للحديث.
وقال محمد حدثني حاتم بن مالك الوراق قال سمعت علماء مكة يقولون محمد بن إسماعيل إمامنا وفقيهنا وفقيه خراسان.
وقال أبو الطيب حاتم بن منصور الكسي يقول محمد بن إسماعيل آية من آيات الله في بصره ونفاذه من العلم.
وقال سليم بن مجاهد يقول لو أن وكيعا وابن عيينة وابن المبارك كانوا في الأحياء لاحتاجوا إلى محمد بن إسماعيل.
وروي عن قتيبة بن سعيد أنه قال لو كان محمد في الصحابة لكان آية. نظرت في الحديث ونظرت في الرأي وجالست الفقهاء والزهاد والعباد ما رأيت منذ عقلت مثل محمد بن إسماعيل.
وقال الإمام أحمد بن حنبل: لم يجئنا من خراسان مثل محمد بن إسماعيل.
وقال أبو عبد الله الحاكم: محمد بن إسماعيل البخاري إمام أهل الحديث.
قال أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة: ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بحديث رسول الله وأحفظ له من محمد بن إسماعيل.
قال محمد بن حمدون بن رستم سمعت مسلم بن الحجاج وجاء إلى البخاري فقال دعني أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدثين وطبيب الحديث في علله.
وقال سعيد بن جعفر: سمعت العلماء بالبصرة يقولون ما في الدنيا مثل محمد بن إسماعيل في المعرفة والصلاح.
من كرم البخاري وسماحته
قال محمد بن أبي حاتم كانت له قطعة أرض يؤجرها كل سنة بسبع مائة درهم فكان ذلك المؤجر ربما حمل منها إلى أبي عبد الله قثاة أو قثاتين لأن أبا عبد الله كان معجبا بالقثاء النضيج وكان يؤثره على البطيخ أحيانا فكان يهب للرجل مائة درهم كل سنة لحمله القثاء إليه أحيانا.
قال وسمعته يقول كنت أستغل كل شهر خمس مائة درهم فأنفقت كل ذلك في طلب العلم فقلت كم بين من ينفق على هذا الوجه وبين من كان خلوا من المال فجمع وكسب بالعلم حتى اجتمع له فقال أبو عبد الله: ما عند الله خير وأبقى (الشورى:36)
وكان يتصدق بالكثير يأخذ بيده صاحب الحاجة من أهل الحديث فيناوله ما بين العشرين إلى الثلاثين وأقل وأكثر من غير أن يشعر بذلك أحد وكان لا يفارقه كيسه.
ويقول عبد الله بن محمد الصارفي: كنت عند أبي عبد الله البخاري في منزله فجاءته جارية وأرادت دخول المنزل فعثرت على محبرة بين يديه فقال لها: كيف تمشين؟ قالت إذا لم يكن طريق كيف أمشي فبسط يديه وقال لها اذهبي فقد أعتقتك. قال فقيل له فيما بعد يا أبا عبد الله أغضبتك الجارية قال إن كانت أغضبتني فإني أرضيت نفسي بما فعلت.
محنة البخاري
تعرض البخاري للامتحان والابتلاء، وكثيرا ما تعرض العلماء الصادقون للمحن فصبروا على ما أوذوا في سبيل الله، ولقد حسد البعض البخاري لما له من مكانة عند العلماء وطلاب العلم وجماهير المسلمين في كل البلاد الإسلامية، فأثاروا حوله الشائعات بأنه يقول بخلق القرآن، ولذلك قصة يرويها أبو أحمد بن عدي فيقول: ذكر لي جماعة من المشايخ أن محمد بن إسماعيل البخاري لما ورد نيسابور اجتمع الناس عليه فحسده بعض من كان في ذلك الوقت من مشايخ نيسابور لما رأوا إقبال الناس إليه واجتماعهم عليه. فقال لأصحاب الحديث: إن محمد بن إسماعيل يقول اللفظ بالقران مخلوق فامتحنوه في المجلس فلما حضر الناس مجلس البخاري قام إليه رجل فقال يا أبا عبد الله ما تقول في اللفظ بالقران مخلوق هو أم غير مخلوق فأعرض عنه البخاري ولم يجبه، فقال الرجل يا أبا عبد الله فأعاد عليه القول فأعرض عنه، ثم قال في الثالثة فالتفت إليه البخاري وقال القرآن كلام الله غير مخلوق وأفعال العباد مخلوقة والامتحان بدعة فشغب الرجل وشغب الناس وتفرقوا عنه وقعد البخاري في منزله.
وقالوا له بعد ذلك ترجع عن هذا القول حتى نعود إليك قال لا أفعل إلا أن تجيئوا بحجة فيما تقولون أقوى من حجتي وأعجبني من محمد بن إسماعيل ثباته، وكان يقول أما أفعال العباد فمخلوقة فقد حدثنا علي بن عبد الله حدثنا مروان بن معاوية حدثنا أبو مالك عن ربعي عن حذيفة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يصنع كل صانع وصنعته.
وبه قال وسمعت عبيد الله بن سعيد يقول سمعت يحيى بن سعيد يقول ما زلت أسمع أصحابنا يقولون إن أفعال العباد مخلوقة قال البخاري حركاتهم وأصواتهم واكتسابهم وكتابتهم مخلوقة فأما القرآن المتلو المبين المثبت في المصاحف المسطور المكتوب الموعى في القلوب فهو كلام الله ليس بمخلوق قال الله تعالى {بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم} (العنكبوت 49).
وقال البخاري: القرآن كلام الله غير مخلوق ومن قال مخلوق فهو كافر.
وقال أيضا: من زعم من أهل نيسابور وقومس والري وهمذان وحلوان وبغداد والكوفة والبصرة ومكة والمدينة أني قلت لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب فإني لم أقله إلا أني قلت أفعال العباد مخلوقة.
وقال أحمد بن سلمة: دخلت على البخاري فقلت يا أبا عبد الله هذا رجل مقبول بخراسان خصوصا في هذه المدينة وقد لج في هذا الحديث حتى لا يقدر أحد منا أن يكلمه فيه فما ترى فقبض على لحيته ثم قال "وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد" (غافر 44) اللهم إنك تعلم أني لم أرد المقام بنيسابور أشرا ولا بطرا ولا طلبا للرئاسة إنما أبت علي نفسي في الرجوع إلى وطني لغلبة المخالفين وقد قصدني هذا الرجل حسدا لما آتاني الله لا غير ثم قال لي يا أحمد إني خارج غدا لتتخلصوا من حديثه لأجلي، فأخبرت جماعة أصحابنا فو الله ما شيعه غيري كنت معه حين خرج من البلد وأقام على باب البلد ثلاثة أيام لإصلاح أمره.
وقال محمد بن أبي حاتم أتى رجل عبد الله البخاري فقال يا أبا عبد الله إن فلانا يكفرك فقال: " قال النبي صلى الله عليه وسلم:" إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما" وكان كثير من أصحابه يقولون له إن بعض الناس يقع فيك فيقول "إن كيد الشيطان كان ضعيفا" (النساء 76)، ويتلو أيضا "ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله" (فاطر 43) فقال له عبد المجيد بن إبراهيم كيف لا تدعو الله على هؤلاء الذين يظلمونك ويتناولونك ويبهتونك، فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم "اصبروا حتى تلقوني على الحوض" وقال صلى الله عليه وسلم "من دعا على ظالمه فقد انتصر"
محنته مع أمير بخارى
روى أحمد بن منصور الشيرازي قال سمعت بعض أصحابنا يقول لما قدم أبوعبد الله بخارى نصبت له القباب على فرسخ من البلد واستقبله عامة أهل البلد حتى لم يبق أحد إلا استقبله ونثر عليه الدنانير والدراهم والسكر الكثير فبقي أياما قال فكتب بعد ذلك محمد بن يحيى الذهلي إلى خالد بن أحمد أمير بخارى إن هذا الرجل قد أظهر خلاف السنة فقرأ كتابه على أهل بخارى فقالوا لا نفارقه فأمره الأمير بالخروج من البلد فخرج.
قال أحمد بن منصور فحكى لي بعض أصحابنا عن إبراهيم بن معقل النسفي قال رأيت محمد بن إسماعيل في اليوم الذي أخرج فيه من بخارى فتقدمت إليه فقلت يا أبا عبد الله كيف ترى هذا اليوم من اليوم الذي نثر عليك فيه ما نثر فقال لا أبالي إذا سلم ديني.
وروي عن بكر بن منير بن خليد بن عسكر أنه قال: بعث الأمير خالد ابن أحمد الذهلي والي بخارى إلى محمد بن إسماعيل أن احمل إلي كتاب الجامع و التاريخ وغيرهما لأسمع منك فقال لرسوله أنا لا أذل العلم ولا أحمله إلى أبواب الناس فإن كانت لك إلى شيء منه حاجة فاحضر في مسجدي أو في داري وإن لم يعجبك هذا فإنك سلطان فامنعني من المجلس ليكون لي عذر عند الله يوم القيامة لأني لا أكتم العلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم "من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار" فكان سبب الوحشة بينهما هذا.
|
|
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)